الدكتور أحمد الجُبير.
أستاذ مشارك
عزيزي القارئ: هذا الموضوع هو جزء من بحث تحت عنوان" الدولة العربية وأمنها القومي.. المخاطر الإستراتيجية وإرادة التغيير".تم عرضه في مؤتمر أكاديمية شرطة دبي تحت عنوان:(إرادة التغيير في عالم متغير). في 21/19أكتوبر 2010.... وقد أشرنا في موضوعنا أعلاه إلى أن:
وكان للاستعمار الدور الرائد في خلق الكيانات ورسم الحدود وبالتالي الى خلق نظام سياسي قاس في تعامله وذا إدارة لا تتمتع بأي قدرة على الإبداع، مما خلق حالة من التمحور حول الذات، والتي أدت بدورها الى عدم الاستفادة من الموارد والطاقات المتوفرة، كما وتشتيت كل ما يمكن أن يكون عامل قوة أو مركز تمحور كالعوامل الجغرافية والثقافية وحتى النفسية والعاطفية، مما أضعف الهوية،" ونستطيع أن نقول إن العالم العربي يعيش اليوم، (على مستوى الشعوب وعلى مستوى النخب معاً)، مرحلة التشكيك العميق بمشروعيته وبشرعية وجوده ككيان لديه حداً أدنى من الترابط والوحدة."(1)
إذ أن الحدود الدنيا لبلورة كيان مستقل لم تتوفر حتى الآن (رغم أن العالم يعيش طفرات هائلة في التقدم، ويعيش عصرا من التكتلات لا مثيل له من قبل في التاريخ رغم الكثير من نقاط الاختلاف والعوامل الغير متشابهة) ويتمثل ذلك جلياً في محاضر جلسات إنشاء الجامعة العربية، إذ أصرت الأنظمة العربية على عدم الدخول في أيً إطار يقيًد من حركة وسياسات أيً بلد عربي عضو في الجامعة، تبعها إصرار الدول الأعضاء عن عدم التخلي لأي من اختصاصاتها أو سلطاتها بحجة المحافظة علي سيادة كل دولة، وبسبب تمسك الأنظمة العربية بموضوع السيادة حال دون تمكن الجامعة العربية من اتخاذ القرارات إلا عن طريق الإجماع. ورغم ذلك فإن بعض القرارات التي اتخذت بالإجماع لم تجد طريقاً للتنفيذ، وهناك من قرارات صدرت عن الجامعة العربية وخالفت "قاعدة الإجماع!". وهذا يعني إن الدول العربية تصًر على عدم التلاقي والتطوًر في العلاقات العربية ـ العربية في الوقت الذي تسمح به مع دول العالم الآخر، ومرد ذلك يعود كما يشير التقرير الإستراتيجي العربي الى ثلاث عوامل هي:
"أولاً: الاختلال الفادح في القدرات والموارد بين أعضاء النظام،
ثانياً :التنوع الفاضح في أشكال النظم السياسية واختلاف مراحل تطورها،
ثالثاً :عدم الثقة المتبادلة بين الحكومات العربية".(2)
وهذا يعني إن السياسات الداخلية والخارجية للدول العربية هي سياسات فردية غير متطابقة أو متجانسة، ناهيك عن وجود الاختلافات والحساسيات طيلة العقود المنصرمة. وباحتلال العراق للكويت ظهرت علامة فارقة في العلاقات العربية ـ العربية وأدى ذلك الى زيادة الشرخ العربي، مما وجه الأنظار نحو الخلافات العربية مقارنةً لما كان عليه الحال قبل ذلك. وهذا بدوره أدى الى زيادة التمسك بالإقليمية في التعامل على حساب العمل الجماعي والذي هو أساس التعامل الدولي في العصر الحالي، عصر"التكتلات الدولية". وهذا ما يشكل أحد مواطن الخطر في الجسد العربي.
وتلعب عوامل ذاتية بحته فعلها في الوضع العربي من خلال إصرار القيادات العربية (رغم اختلاف أنظمة الحكم في العالم العربي) على التمسك بالسلطة والتي لا تسمع بأي حراك إيجابي يمكن أن يخرج المجتمع من أزمته المحتقنة. كما أن الممارسات الداخلية والخارجية اليومية لأجهزة وإدارة السلطة لا تدفع إلا الى خيبة الأمل والتدهور في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمؤشرات الحية لهكذا هبوط يتضح جلياً في الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي تؤشر مدى خطورة عوامل مثل الهجرة والبطالة وهزالة البنى الاقتصادية، والافتقار للكثير من ضروريات الحياة اليومية والخدمات التي تساهم تطور الإنسان وعطاءه، ناهيك عن الافتقار للوسائل التي تعزز الثقة في النفس والوطن والأمة.
ولاضمحلال المفاهيم الثورية والقومية والوطنية ولسوء استخدام السلطة، والتمسك بها عنوة، ولضعف وسائل الإنقاذ والعدالة الاجتماعية، أدى كل ذلك الى بروز مظاهر تشكل خطورة عاليه لكيان الأمة، فمن هذه المظاهر :
المظاهر الداخلية:
تتمثل أساساً في النقمة المتزايدة للمواطن والتي مردها الأساس هو (النظام السياسي القائم أو السلطة ذاتها) لما تسلكه من معاملة قاسية، وندرة ما تقدمه رغم أنها تتمتع بامتلاك الوطن بكامله، وهذا بدوره ولًد تمحوراً ذاتياً أدى بهذا المواطن للتكتل والبحث عمًن ينقذه مما هو فيه، فلم يجد في الساحة غير التيار الديني، والذي هو في الوقت ذاته، عدو للسلطة القائمة، والداعي بالأخذ بما يخالف التطور الفكري والاجتماعي والاقتصادي والسياسي الحالي. بمعنى أدق هو العودة بالمجتمع الى ما قبل بدايات التطور الذي تعيشه شعوب العالم المتحضًر، وبذا فإن هذا الحل هو كالدواء بالكي.
المظاهر الخارجية:
فلا تتمتع هي الأخرى بأي مظهر قوة، وإنما العكس هو الصحيح، إذ أن الأنظمة القائمة وللأسف لم تستطع التخلص من وسائل الهيمنة والوصاية المفروضة عليها منذ سنوات طويلة. وهي بذلك عرضة لأن تكون أداة تحركها جهات لاتهمها مصلحة هذه المجتمعات، وبالتالي فإنها تجعل من بلدانها عرضة لمخاطر النهب والهيمنة والتقسيم والإذلال، رغم ما تقدمه هذه الأنظمة من خدمات، فأنها عاجزة عن التوفيق بين حاجات مواطنيها ومتطلبات الدول المهيمنة. ومن هنا تتحدد مكامن الخطورة حيث:
الوضع العربي الداخلي المتأزم والمتفجر والرافض لحالة الهيمنة والوصاية،
وحالة الخضوع والتبعية وعدم الموازنة من الجانب الثاني، مما يدفع نحو توجهات لا يمكننا وصفها إلا بالخطرة على مستقبل الأمة.
أما حالة تهدئة الأوضاع والميل للقوى الكبرى قصد الحماية فإنها تدعو بالنتيجة الى المشاركة في تحقيق أهداف هذه الدول، مما يدفع ذلك للمشاركة في مناورات الحروب الداخلية والطائفية، والترقيع بعمل هنا وهناك، والمعروف أن تلك المساهمات ليست عوامل نهائية للوصول الى بر الأمان، بل بالعكس من ذلك فإنها على المدى البعيد ستكون عوامل خطر إضافية على الذات العربية، وستشكل تهديداً إضافياً لكيان الأمة في المستقبل الآتي. خصوصا والوضع الدولي يعيش تبدلات سريعة في النظرة للتعامل الدولي، وله إستراتيجياتة فيما يتعلق بالشأن العربي بالخصوص. وسنتحدث في رسالة قادمة حول الإستراتيجيات المقصودة.
المراجع:
(1) برهان غليون: "العرب وتحولات العالم من سقوط جدار برلين الى سقوط بغداد". المركز الثقافي العربي .بيروت. لبنان. بدون تاريخ. ص. 124.
(2) إنظر: د.علي الدين هلال: النظام الإقليمي الى أين؟. مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية. مؤسسة الأهرام. التقرير السنوي. 2004ـ2005.
أن واقع الحال اليوم (في أغلب البلدان العربية) يعكس صحة ما أشرنا الية في بحثنا المنشور في العام الماضي 2010.. والذي يبرز حالة الإحتقان في الشارع العربي وبضرورة إتخاذ ما يلزم للتخفيف من الضغوطات النفسية والإقتصادية والإجتماعية النلقااة على المواطن.