السبت، 18 أكتوبر 2008

الممكن والمستحيل في بناء الدولة العراقية الموًحدة..



الممكن والمستحيل

في بناء الدولة العراقية المُوًحدة

الدكتور أحمد الجُبير

أستاذ مشارك /كلية القانون

جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا

Ahmad.aljobair@hotmail.com

"أشارت دراسة أجراها الصندوق من أجل السلام بالتعاون مع مجلة الشؤون الخارجية الأميركية، إلى أن العراق أصبح ثاني أفشل دولة في العالم بعد السودان، وأن أوضاعه أسوأ من الصومال"، وفي ذات الوقت إستمر القاده الأمريكيون وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي وقادته العسكريون على التأكيد من أن زيادة القوات الأمريكية والتي تمت مؤخراً لمساندة الخطة الأمنية التي إنطلقت مؤخراً والتي تستهدف تأمين الأمن في بغداد، وبالتالي فأن هذه القوات مخصصة لمساعدة القادة السياسين في العراق ولتحقيق ماتطمح اليه القيادة الأمريكية في التسوية السياسية ( المصالحة الوطنية ) لتضم الأطراف ذات العلاقة في الصراع الدائر حاليا حول السلطة ومايتبعها من مصالح.

ولكن "هذه المعادلة (المصالحة الوطنية) لا يمكن ان تتم في اطار نظام المحاصصة الطائفية والعرقية المطًبق في العراق الآن. لان هذا النظام يقسم الناس على اساس انتماءاتهم العرقية والطائفية وعلى اساس ولاءاتهم الحزبية والسياسية والعشائرية وغيرها".

وقد برهنت السنوات الماضية على أن نظام المحاصصة غير قادر على إصلاح قدرة الحكومة في العطاء بصورة عامة، وغير قادر على بناء دولة "حديثة بصورة خاصة"، وبالتالي فإن هذا النظام أظهر عجز الدولة الواضح في البناء والتقدم. وقد إتهمت أطراف مختلفة الأداء الحكومي الذي يكبله نظام المحاصصة بسوء الإدارة، فقد "انتقد المرشد الروحي لحزب الفضيلة الإسلامي الشيخ محمد اليعقوبي موقف الحكومة إذ وصف أعضاء حكومة المالكي بالعجزة والمشلولين، متهما إياهم بإنتهاك حقوق الانسان، والتغاضي عن معاناة العراقيين، والفشل في التصدي للملفات الخطرة على الصعيدين ألامني والسياسي". وفي السياق ذاته فإن الإدارة الأمريكية لم تتوانى عن كيل الإتهامات لحكومة المالكي بالتقصير رغم معرفتها بما يحصل بالداخل الحكومي والذي نسجتة هي بنفسها وبتلك الحشاشة.

كما أكدت تقارير صحيفة في الواشنطن بوست الأمريكيه:" بإن هناك قوتين تقفان خلف هذا التدهور، الأولى هي الانقسامات الداخلية التي أدت إلى تغلغل الميليشيات والجماعات المسلحة بشكل لم تعد لا القوات الأميركية ولا العراقية قادرة على السيطرة عليه، والثاني هو تدخل القوى الخارجية في الشأن العراقي الداخلي". وهوالوضع الذي يساعد على عملية تقسيم العراق. وبنفس الإتجاه نقلت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية "عن بولين بيكر رئيسة صندوق السلام قولها إن التقرير (المذكور أعلاه) يُبيًن الغرق السريع للعراق ووصوله إلى نقطة اللاعودة، كما أشارت الى أن الصندوق أوصى بناء على دراسات دورية تُجرى كل ستة أشهر منذ عام 2003، ضرورة أن تواجه الإدارة الأميركية الحقيقة التي تقول، إن الخيارات الوحيدة الباقية أمامها هي كيف وبأي درجة من العنف سوف ينقسم العراق".

هذه الصوره هي التعديل الأكثر تقارباً من تقرير بيكر– هاملتون الذي وصف الوضع في العراق بأنه خطير وآخذ في التفاقم وأكّـد أنه لا توجد وصفَـة سحريّـة لحلّ مُـشكلات العراق، "وأنه بينما لا يُـمكن لأحد أن يضمَـن لأي نهج للتحرّك في العراق حاليا أن ينجح في وقف الاقتتال الطائفي أو العُـنف المتصاعد أو الانزِلاق إلى هاوية الفوضى، فإن النّـهج الحالي غير مُـجدٍ، فيما تتقلّـص قُـدرة الولايات المتحدة على التأثير في الأحداث". فإذا أخذنا بالأعتبار التصًورات التي تطرحها التقارير الصحفية عن مسؤولين أمريكان وغيرهم والتي توحي بقرب إنسحاب القوات الأمريكية في الربيع المقبل عام 2008، ( إنظر عزيزي القاريء آخر تقرير في آي بي أسوسيتيد ﭙريس للكاتب بولين جَلينيك بتاريخ 23.06.2007.) ولو جمعنا أطراف المعادلة بذوي العلاقة، نتقرب من وضوح الصورة، والتي تشير الى عدم القدرة المستمرة للحكومة على تأمين الأمن والخدمات وغيرها من الأمور، رغم الدعم العسكري الأمريكي الأخير( إذ تسيطر الدولة على40% فقط من بغداد في حين أن الفئآت المسلحة المختلفة تسيطر على 60% من مناطق العاصمة المختلفة حسب ما أوردتة بعض التقارير الصحفية ناهيك عن الأداء غير السليم لمرافق الدولة المختلفة والمبنية على أساس الولاءات الحزبية والطائفية)، مما يوحي بالتطبيق الأمريكي العملي لتقرير بيكرـ هاملتون رغم رفض الأدارة الأمريكية المعروف للتقرير المذكور، والأخذ بما تدعوا اليه التقارير الأمريكية الداعية الى البحث عن درجة العنف التي يترتب عليها تقسيم العراق، ونلخص القول "بأن ماهو آتي لايدعوا الى بناء الدولة العراقية الموحدة بقدر ماهو دعوة للخروج وفق ما تدعوا اليه حسابات الربح والخسارة للقيادة الأمريكية وحلفائها".

أما الشق الثاني للمعادلة فيتمثل بتحقيق التسوية السياسية والمبني على أساس التعاون والعمل المشترك من اجل اقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة. وهذا يتطلب من الجميع الأمور التالية : التخلي عن نظام المحاصصةً، وتعديل الدستور، وتفكيك التكتلات الطائفية والعرقية من جانب، ، أما من الجانب الثاني، فلابد من إعتماد معايير عامة لبناء الدولة الحديثة،" والتي تم تجاهل معظمها منذ بداية الإحتلال، بسبب اعتماد نظام المحاصصة والذي زرعه الأخير قصد السيطرة الدائمة "، ومن هذه المعايير بطبيعة الحال معيار المواطنة، والكفاءة عند إشغال المواقع القيادية في الدولة ، وسيادة حكم القانون، والمؤسسات الدستورية، والشفافية والنزاهة وما الى ذلك من المعايير. غير أن هذا الحل لا يتوافق والاطراف الفاعلة في العراق اليوم. كما ويصعب تطبيقه على تنظيم القاعدة والجماعات المتعاونة معها، "لأن الخلاف مع هذا التنظيم والجماعات المرتبطة به ليس سياسيا وانما هو خلاف إستراتيجي . فهذه المجاميع تخوض معركة بقاء او موت مع القوات الاميركية والحكومية، فهذه الجماعات تصف الأخيرة بانها قوات عميلة ومرتدة. وبذا فلا أمل ولامعنى في التوصل الى تسوية أو مصالحة سياسية مع هذه المجاميع، وبالتالي فان الحل الوحيد لهذه المشكلة هو الحل الامني، أي مواصلة خوض المعركة العسكرية معهم، حتى تتم تصفية وجودهم العسكري وكسر إرادتهم السياسية. "وقد تجلى ذلك بما تقوم به القوات الأمريكية والعراقية اليوم من هجوم واسع النطاق على هذه المجاميع في محافظة ديالى".

أما الشوكة الأخرى في الطريق السياسي المنشود، فهي المليشيات المختلفة الألوان والأطياف، والتي أصبح نزع سلاحها والقضاء عليها أمراً في غاية الصعوبة في الوقت الحاضر على الأقل. عليه فإن أرضية المصالحة الوطنية ستكون مقتصرةً في هذه الحالة، على الأحزاب المشاركة في العملية السياسية الحالية، والتي بها وحدها لايمكن أن تتكًون قاعدة صلبة لبناء دولة حديثة مالم تضع بين جناحيها العناصر المناوئة لسلطتها الحالية، وهو أمر ليس بالهين التعامل معة، "بسبب سعي هذه الأحزاب الى النفوذ والهيمنة اكثر من حرصها على التسوية السياسية". أما في حال تبني جميع هذه الأطراف والأطراف التي ستشارك معها بفكرة التخلي عن هذه الممارسات والعمل على:

* القبول بشروط مباديء التعايش وفق نظرة إستراتيجية،

* التخلي عن ضيق الأفق ضمن الدوائر الصغيرة،

* الإبتعاد عن التخوف من الحلول العقلانيه،

* والألتزام بالأساسيات التي تقام عليها الدول،

قد تساهم جمع هذه الإطر، في خلق بصيص من الأمل في قيام الدولة العراقية الموحدة، وهو أمل ينشده الكثيرمن أبناء هذا الوطن المعًذب وتقع مسؤولية تنفيذه على القادرين على التنفيذ. وبعكسه فالأنتصار سيكون حليف الطرف الآخر، مما سيخلق مأساة جديدة قد يضيفها التاريخ لمآسي أبناء هذا الوطن المتعددة.


ما الذي يخيف العرب من حوار الشمال والجنوب المتوسطي


ما الذي يخيف العرب

من حوار الشمال والجنوب المتوسطي

الدكتور أحمد الجُبير

استاذ مشارك. كلية القانون . شبكة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا

Ahmad.aljobair@hotmail.com


يرى البعض أن الخطوة الأوربية للتقارب مع البلدان العربية في شمال أفريقيا فكرة حديثة العهد ، القصد منها هو المساعدة على تسهيل تعامل إسرائيل مع البلدان المذكورة ، مقابل حصول بلدان شمال أفريقيا المذكورة على تسهيلات وإتفاقات تعاون مثمر بين الشمال والجنوب المتوسطي .

لكننا نرى أن النضج الحالي لهذه الفكرة ليس وليد اليوم وإنما يعود بجذوره الى ثمانينات القرن الماضي وفي فرنسا على وجه التحديد. إذ في حينها قدم حزب الجبهة الوطنية ( حزب اليمين المتطرف الفرنسي والذي يرأسة السيد جان ماري لوبين (Jean Mari Le PAIN ) مشروعا سياسياً ، في مؤتمره الفرعي في مدينة مونتبلييه الفرنسية ، آنذاك والذي كان بإشراف البروفسور جان كلود مارتينيز

Mr ``le Professeur Jean Claud MARTINEZ `` ( وقد حضرت المؤتمر الذي أقيم في بلدية مدينة مونتبلييه بناءاً على الدعوة التي وجهت ليً شخصياً من قبل السيد رئيس المؤتمر ، وقد حضر المؤتمر أيضاً زميل لي من أصل سوري، وبناءاً على دعوة مشابهة ، وكان سبب دعوتنا هو أن البروفسور مارتينيز( رئيس المؤتمر وقتها ) كان إستاذنا المشرف في الدراسات العليا )الدكتوراه في العلوم السياسية ) ، وهو الذي أراد حضورنا في المؤتمر المذكور.

وقد طرح المشروع في المؤتمر بصيغة أن أوربا (بشكلها العام) ينقصها العمق الأستراتيجي مقارنة مع العمق الأستراتيجي لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والأتحاد السوفيتي في حينها ، وكانت الحلول التي طرحت في ذلك الوقت ، مبنية على أن القارة الأفريقية هي العمق الأستراتيجي لأوربا فهي الأرض وهي السكان وهي الموارد، كما إن هذه القارة، تدين بالتقارب السياسي والأقتصادي والثقافي الى أوربا، إذن فهي النواة للعمق المنشود وعلينا ( الفرنسيون في ذلك الوقت ) العمل ليصبح هذا الأمر واقعاً ملموساً .

هذه كانت الفكرة الأم التي إنطلقت ولم تخمد . ورغم أنني تَعًرفت على هذه الفكرة عند اليمين الفرنسي المتطرف ( والذي لايكن الكثير من المودة للعرب والأفارقة على وجه الخصوص )، إلا أنني على يقين من أن الفكرة المذكورة قد نوقشت على أكثر من صعيد وبمختلف الإتجاهات . وعليه فإن الطرح الحالي ليس هو إلا طرحاً جزئياً من الفكرة الأم وبالشكل الذي يتلائم والظروف الحالية.

وحصيلة الطرح المشار اليه هو ماتم طرحه في مؤتمر مدينة فاس المغربية، والذي تم الإعداد له بفترة ليست بالقصيرة مع الأطراف المعنية، وذلك من خلال الزيارات المكوكية والمحادثات السرية والمساومات السياسية لبعض المواقف، والتي حددت بالنتيجة الخطوط العريضة للإتفاق على ما تم طرحه في المؤتمر المذكور، رغم وجود بعض الأصوات التي تعلو وتنخفض بين الدهشة والإستغراب والتساؤل لما يمكن أن يكون ، وماسينتج عنه لاحقاً .

وليس تجنياً القول ( وهو رأي شخصي مبني على الملاحظة ) بأن أطرافاً عربية مختلفة قد تبنت الأفكار المطروحة ، ولكنها لاتريد أن تظهر بمظهر الموافق عليها، بل إنها تنتظر اللحظة المناسبة ، ولحين مايستجد ما يبرر القبول للإعلان عما كان مقرراً ولننتظر عما سينكشف عما قريب . وما مؤتمر باريس الحالي إلا تعزيزاً لما سنطرحه في هذا المقال التحليلي لعلاقة الشمال الأوربي بالجنوب المتوسطي.

والسؤال الذي يطرح اليوم هو : هل في الموضوع مايخيف العرب ؟ والجواب هو ، بإعتقادنا ، إن الحلقة الأضعف في القارة الأفريقية ، هي بلدان شمال القارة الأفريقية (البلدان العربية) ، لأسباب مختلفة، منها ما هو سياسي ومنها ما إقتصادي ـ إجتماعي .. ناهيك عن الإستهداف الخارجي والداخلي .. والمتمثل في الحركات المتطرفة ، وعداء الأنظمة العربية لبعضها البعض ، وما تقوم به الدول الكبرى من إستهداف لكل ما هو عربي وإسلامي .. يضاف لكل هذا ، سمة عدم وجود رؤية إستراتيجية موحدة للعالم العربي. هذه الأسباب وغيرها أدت بالنتيجة ( الى عدم الإستقرار السياسي والأمني في المنطقة عموماً )، والذي إنعكس بدوره على الأنظمة السياسية في البلدان المشار اليها مما أدى الى زعزعتها ، وأصابة البعض منها باليأس والأحباط.

وعليه فأن الوقت الذي تعيشه الأنظمة المشار اليها هو بالذات، الذي تنظره بلدان أوربا الغربية، والتي لديها برنامجها السياسي الجاهز لأفريقيا كاملة، ولابأس لديهم (الغرب)من البدء في هذا المكان والذي يمثل (الحلقة الأضعف)، مما سيخلق الأساس والخطوة الأولى على جر الآخرين لنفس الحلبة المعدة سلفاً.

ليس هذا فحسب، وأنما هو ذات الوقت الذي تنتظره الأنظمة المرتبكة والمحبطة والتي تنتظر لمن يمد يد العون والمساعدة لها، لإنقاذها وليعطيها دفعة جديدة للإستمرار على المنوال القديم / الجديد في التعامل مع الداخل . ولاضير في أن يختلف هذا التعامل مع الغرب ، والذي سيسمح له بأكثر مما هو متعارف عليه . ومن هناك ستبدأ الكارثة الجديدة لهذه الأمة والتي لاتنقصها الكوارث.

إذ وبإعتقادنا بأن هذه الأنظمة ستتكبل بإتفاقيات هي الطرف الأضعف فيها ، ولن يطول الوقت بعدها لتجد نفسها، وقد رضخت وبإرادتها على قبول شروط الطرف الأقوى ، ( كما هو حال أغلب البلدان النامية التي ترضخ لما يطلبه منها صندوق النقد الدولي شريطة لإستمراره في دعمها ) وسيكون مصيرها مجهولاً .

بعدها ، ستجد هذه الأنظمة نفسها مقيدة وقد قيدت في ذات الوقت (والى أمد طويل) شعوبها بإتفاقات قانونية تبيح للطرف القوي تنفيذ مايريد تنفيذه ، وهذا هو الهدف الأسمى لإتفاقيات الشمال والجنوب المتوسطي .

فعلينا أن لانضيع في الجزئيات. وأن لانرضخ للجزره التي تقدم الينا اليوم، لإننا نعلم بأن العصا ستكون لمن عصى ،وأيً عصا !!! وإلا سيكون الأوان قد فات... ولنبدأ من النهاية التي توصل اليها مؤتمر باريس :

حيث الأتفاق المباشر مع سوريا لتنفيذ ما يجب عليها أن تعمل، ( وقد نفذت حتى هذه اللحظة ما كان مستحيلاً بالأمس )، والأتفاق مع الشمال الأفريقي بشأن الهجرة والتنمية ،

الحراك المحسوس للتواجد الأسرائيلي وأتصالاته بأطراف معلومة وغير معلومة،

وممارسة الضغط على الأطراف التي لها وجهات نظر مغايرة.

وإدخال المانيا بقوة في اإتفاقات الشمال والجنوب رغم عدم فاعليتها مع أطراف الحوار المعنية.

فالذي يخيف العرب كما يتضح هو ليس التطبيع مع إسرائيل فحسب ،

وإنما هو الوضع السياسي العام ، والوضع الإقتصادي العام ،

سيكون اللبنة الأولى لإعادة بناء إتفاقيات سايكس ـ بيكو المشهورة . وخير مثال يمكن تقديمه اليوم ، هي معاملة الغرب للسودان ، والرؤية الأمريكية لإدارة المنطقة .

فعلى العرب رغم تأخر الوقت إعادة تنظيم أنفسهم وفق رؤى إستراتيجية بعيدة المدى،

وبغيرها فما عليهم سوى القبول بما سيفرض عليهم ، وسيكون حال الجميع كما هو حال العراق اليوم ، إن لم يكن أكثر سوءاً .

الجمعة، 10 أكتوبر 2008

العراق القديم منبع ديمقراطية العالم. فأين موقعه اليوم؟


الدكتور أحمد الجُبير

أستاذ مشارك. كلية القانون. جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا

Ahmad.aljobair@hotmail.com




إن التقدم المادي الذي حققته شعوب الشرق القديم، لايمكن أن يكون بمعزل عن تقدم الفكر الإنساني في هذه المجتمعات، والذي يشمل بالدرجة الأساس الفكر السياسي. فالملوك في حضارة سومر وأكد، وبحكم صفات الزعامة، والدراية العسكرية لديهم لم يصلوا الى السلطة تلقائياً،

إذ كانت كل مدينة تختار زعيمها عن طريق مندوبين عن سكانها، فكان أن شكلت المدينة مجلسين للتأثير على القرار السياسي :

أحدهما يضم كبار السن والأعيان.

والآخر يضم الرجال القادرون على حمل السلاح.

وعن طريقهما يتم إختيار الملك والهيمنة على الشؤون العامة للدولة. وهو مبدأ ينطبق والفكر السياسي الحديث. وقد أفرز هكذا نظام، قادة عظام كسرجون الأول، الذي وحًد المدن وكوًن الإمبراطورية من الخليج حتى البحر المتوسط.

إلا أن السومريون لم يستطيعوا أن يحافظوا على وحدتهم زمناً طويلاً فنشأ من ذلك، نظام " دويلات المدن "

قبل أن يعرف الإغريق هذا النظام بحوالي 2000 سنة، وقد تميز هذا النظام، بالتنافس والصراع من أجل الهيمنة، إلا في بعض المجالات " كالدفاع مثلاً، وفي بعض العلاقات التجارية" حيث يتم فيها تعاون جميع الأطراف.

ولتعلم عزيزي القاريء الكريم، من أن ملوك سومر الأوائل :

لم يكونوا طغاة أو مستبدين، ولم تكن لهم الحرية في العمل،

إلا إذا إستشاروا مواطنيهم من النبلاء في المصالح الكبرى للدولة

وعلى الأخص في قضايا الحرب والسلم، والذين كانوا يجتمعون في جمعيات تمثيلية.

إن الرجوع الى مؤسسات ديمقراطية بهذا الشكل منذ الألف الثالث قبل الميلاد،

مثًل إسهاماً سومرياً جديداً في الحضارة الإنسانية، لأنه دلً على أن الديقراطية ليست من صنع الغرب،

وإن الشرق الأوسط يمكن أن يكون مهداً للديمقراطية، مهما بدت هذه الديمقراطية لأول وهلة بدائية الشكل.

ويشار في نفس السياق، الى أن حمورابي أعاد ( في القرن الثامن عشر قبل الميلاد ) وحدة العراق وترك لمجلسي الكبار والجمعيات الوطنية أن يلعبا دوراً مهما في حياة الدولة. وحين التدقيق فيما تركته هذه الفترة من الحكم، نرى إنها تركت أروع القوانين الإنسانية، ويعتبر " أوركاجينا" ملك لجش أول مشًرع في تاريخ البشرية.

ويؤكد المختصون في عالم السياسة، على أن أغلب العناصر الحيوية للسياسة البابلية تضمنتها شريعة حمورابي التي هي، مجموعة قوانين إجتماعية وسياسية إشتملت على حماية حقوق الأفراد وعلى نصوص خاصة بإنعاش التجارة والنشاطات الإقتصادية المختلفة. هذا وقد أشارت مراجعهم على أن : * التأثير على حقوق الأفراد،

* وتشخيص طبيعة سلطات الحاكم،

* ووجود مجالس الكبار،

* والمجالس الشعبية أو الوطنية،

كل ذلك عَبًر عن خطوة متقدمة في تاريخ الفكر والتنظيم السياسي، إذا ماقيس بما كان في البلدان الأخرى في ذلك الوقت ، حيث سيادة الحكم الأستبدادي البعيد عن الإنسانية ، والبنى الطبقية التي كانت تحتويها، والتي كانت تعًد أكثر تصلباً مما هي في بابل القديمة.

فإذا كان كل ذلك في التاريخ العراقي القديم ، فأين هو اليوم من تطبيق ديمقراطية الأمس ؟

وحين نروم الإجابة على هذ السؤال، علينا تحديد فيما لو وجدت الديمقراطية في هذا البلد اليوم، ووفق أي المذاهب يطبق هذا المفهوم .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إنظر د. أحمد الجبير: " مبادىء العلوم السياسية " منشورات الجامعة المفتوحة. طرابلس. 1995.

ص.80 ـ 82.

(2) إنظر:

Samuel Noah KRAMER: ”L´hístoir commence á sumer” Arthand.Paris. 1975.P58.

(3) المرجع السابق. ص. 59.

الأربعاء، 8 أكتوبر 2008

خيوط الترابط والمحبة تقًطعها السياسة والمصالح .


الدكتور أحمد الجُبير

أستاذ مشارك / كلية القانون

جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا.

ahmad.aljobair@hotmail.com
المقال منشور في موقع الحوار المتمدن - العدد: 1927 - 2007 / 5 / 26

من قرائتي للقرآن الكريم وللكتاب المقدس، بعهديه القديم والحديث، ومن إطلاعي على العديد من الكتب والمؤلفات التاريخية والسياسية، وجدت، أن الأديان السماوية تشترك جميعها بصفات مشتركه:
فهي تعتقد بوحدة الخالق العظيم، وان جميع تابعيها يعتقدون بقدرة الله على الخلق، وبيوم الحساب، وبأن الله سبحانه وتعالى قد خلق الأنسان وقرًبه اليه، وإن جميع المؤمنين في هذه الديانات يعتقدون بالقيم الأنسانية التي جاءت بها أديانهم . وليس بجديد القول، بأن الأديان جميعهاً تتفق والدعوة الى التآخي، ونبذ العنف، والتعامل الإيجابي بين البشر، ونبذ كل ما من شأنه المس بكرامة الإنسان والرحمة والمحبة، ومساعدة المحتاج، والدعوة الى أن يكون الإنسان صادقاً، أمينا، معتدلا،ً ناشطاً، عاملاً. كما أكدت جميع الأديان على الجوانب الإيجابية في حياة الإنسان سواء على مستوى القول أو على مستوى العمل، وبذات الوقت فإنها، حرًمت البغاء والقتل والكلام الزور والى آخره من الأمور السلبية في حياة الإنسان، كما والمهم الذي جاء فيها هو التشريعات التي تخص تنظيم الحياة العامه للمجتمعات كالزواج والطلاق والجريمه والعطاء والخير، وما الى ذلك من جوانب مشرقة. فهذه الصفات هي صفات ترابط ومحبه بين مؤمنيها.

ولو دققت أخي القاريء الكريم عن قرب نصوص الكتب المقدسة وقرًبت بعضها الى بعض لوجدتها تلوح في ذات الإطر، وبترتيب تسلسلي كأنها حلقات مترابطة. ناهيك عن جمالية إفكارها وشمولية موضوعاتها، والتي تتعلق بمَن في الأرض وبمَن في السماء . فمن أين كل هذه الشرور إذن؟

أن هذه الشرور عالجتها الأديان جميعها ‘ فجعلت كل من يفعل الخير هو من عباد الله الصالحين، ومن يعمل بغير ذلك فأنه في الجانب الآخر، وسيجد العقاب من خالقه يوم الحساب كما أشارت. ناهيك عن أن هذه الديانات تحتوي بين طياتها الكثير من العلوم الفلسفية والتاريخية والأقتصادية والأجتماعية والقانونية وغيرها، وهي بمثابة المروًض للروح البشرية والمنًقي لها من شرور الحياة وأمراضها. ولكن المؤسف له هو أن الجانب الشرير في النفس البشرية، الذي لايَقبل بعدالة إنسانية يتساوى فيها أقرانه، فيقطع عنهم يدَ المحبة والمساعدة والعطف، ويعاملهم بأقسى مايتمكن، ويجعل من تحقيق المصالح الضيقة والجشع في جمع المال والجاه ( لبناء مجد لم يُخًلد منه أحداً شي )، ويجعل من عموم الناس جسراً للوصول الى الهدف متناسياً ماتحفل به الكتب السماوية من قيم تساعده في تخليد نفسه، أمام الذات، وأمام الناس، وأمام الخالق.
ولاخلاف من أن الآديان السماوية جميعها لاقت معارضة وعنف من المجتمعات التي ولدت فيها أو في المحيط الخارجي عندما أرادت التوسع، وهذا ماجعل أصحاب هذه المعتقدات الجديدة يقومون بالرًد بالعنف تارة وبالأقناع تارةً أخرى لأثبات الوجود ولنشر الفكرة الجديدة ضمن محيطها أو في المحيط الأبعد. والذي يقرأ التاريخ بتمعن، يرى أن لاغضاضة فيما أتُبع، إلا إن ذلك لايعني إننا ننفي ماحصل من أخطاء راح ضحيتها الملايين من البشر على مر العصور، ولكننا لانحًمل ديانة دون أخرى مسؤولية ماحصل. أما المنطق فيدعونا الى أن ندين كل الذين سعوا ويسعون لتسيس الدين لأغراض دنيوية ( سياسية تعتمد على المصالح أساساً للتعامل ).

إذ إن الذين يخلطون الدين بالسياسة والذين يسعون دوماً لأستخدامه لمصالح الذات، هم أبعد مايكونوا عن جوهر الدين المتسامح الحامل للنفس البشريه الى أعلى قدر من الشفافية، البعيدة كل البعد عما تتعامل به السياسة، التي تعتمد الوسائل التي تخالف تعاليم القوانين الوضعية في أغلب الأحيان، ناهيك عن تعاليم الخالق ونصوص دياناته. فالديانات عكس ( السياسات )، تُطًهر النفس البشرية من ترسبات ماعَلق بها من شرور الحياة، وترقى بالأنسان الى حياة الزهد والتفكير الصافي والخالي من ماديات الحياة الخانقة. فحين خلط رجال الدين دينهم بالسياسة في زمن الرومان قاصدين المجد والمال، أطلعنا التاريخ لما حصل من ملابسات وما كانت خسارة المؤمنين بالفكرة إلا لتكون كبيرة. وليس ماحصل في القرون السابقة للديانة في أوربا ألا دليلاً ماديا يجسد خطأ فكرة الدمج بين الروحي والمادي، مما حدا بالعقلاء بجعل ما لقيصر لقيصر، وماللكنسية للكنسية. وليس لآخر الديانات أكثر حظاً، ولكنها في دور المخاض، وعسى .....ولعل، في أن لايكون الخلط سببا في تقطيع أوصال الترابط والمحبة. لأن المال والجاه لايعني للروح شيئاً. فدعوتي للمؤمنين جميعاً بالترابط لانه جسر للمحبة، (على مستوى الدين الواحد، أوعلى مستوى الأديان)، وبالمحبة يجد الناس السلام .. وبالسلام تطمئن القلوب.

الأربعاء، 1 أكتوبر 2008

الإنسحاب بات وشيكاً وماذا بعد ؟.


الدكتور أحمد الجُبير

أستاذ مشارك . كلية القانون

جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا

ahmad.aljobair@hotmail.com
منشور في الحوار المتمدن - العدد: 1925 - 2007 / 5 / 24


من قراءة بسيطة للأحداث المتسارعة في العراق، ولما يَدور في اروقة الإدارات ومراكز البحث الأمريكية ، وللضغوط المستمرة التي يمارسها الديموقراطيون ذوي الأغلبية في السلطة التشريعية ، ومن قراءه متأنية للصحافة البريطانية والتي ما فتأت القول بأن خليفة بلير والمرشح القادم لرئاسة الوزراء البريطانية ،( ينوي سحب القوات البريطانية من العراق بالتفاوض مع الأمريكان ) ونتيجة للإستعدادات التي تتم في العراق لما بعد الإنسحاب ( في حال حصوله فوراً )، وبالأضافة الى مؤشرات أخرى نتيجة لتحركات سياسية تدور كلها في نفس المحيط ( كالحوار الأمريكي الإيراني بشأن العراق، ومشروع تقاسم النفط ، والمصالحة الوطنية ،( كلها مشاريع أمريكية مفروضة على المسؤولين العراقيين ) والزيارات المكوكية لمسؤولين عراقيين للولايات المتحدة الأمريكية ، وغيرها ) نلاحظ بأن هناك تغييراً كبيراً سوف يحصل في القريب العاجل ، وبأن الأنسحاب بات وشيكا من العراق. فإذا كان الإنسحاب نتيجة منطقية للوضع الكارثي الذي زًج به الرئيس الأمريكي بلاده ، ( بناءاًعلى نبوءآت تحوي في طياتها الحقد والكراهية لكل ماهو عربي ومسلم، وللأحساس المفرط بالقوة والعَظَمة الذي أتى بغير محله ) فهل أن الإحتلال ذاته كان نتيجة منطقية ويخلو من أي حساب.

للأسف ، هناك الكثير الذي لايتقبل القاعدة القانونية التي تقول بأن كل مابُنيً على باطل فهو باطل. فإذا كان الإحتلال باطلاً جملةً وتفصيلاً ( برغبة الشعوب أو وفق القانون الدولي) فهل لنا أن نقول بأن كل ما بناه الإحتلال باطل؟ وهل يجوز للمجتمع الدولي محاسبة كل الذين تسببوا في هذه المآسي للعراق ولشعبه ؟. أم أن هذه الجريمة ستمر كما مرت الجرائم الإنسانية العديدة في حق شعوب وأقوام مختلفة في العالم؟.

فلنعد بالذاكرة لمن لايريد التَذًكر بأن مبررات الإحتلال كانت مزورة وغير حقيقية ، وقد أثبتت الوقائع خلاف ماإدعته الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية ، ولم يتم العثور على اسلحة الدمار الشامل المزعومة ، والتي أرعب بها بوش وبلير بسطاء الناس والسذج وهلل لها كل الطامعون وذوي الضمائر الميتة والخونة من كل جنس . كما ولم يعثر لأي دليل لعلاقة النظام السابق بتنظيم القاعدة الإرهابي حسب إعتراف المصادر الأمريكية والبريطانية نفسها. وحين تعترف الدول المحتلة بعدم صدقية معلوماتها تلك. فبأي منطق إنساني أو قانوني يجيز لهذه البلدان الإستمرار بإحتلال البلد وتدمير كل شيء فيه ، وتكبيل وتقتيل وتعذًيب أبناءه بأسوأ صورة عرفتها الإنسانيه حتى الآن ؟. وحيث لم يكتفوا بالذين واجهوهم أطالت حملتهم كل بريء من طفل وشيخ وأمرأة. والكل يعرف بأن المنتفعين والخونة لأوطانهم والأذلاء، لاهمً لهم سوى التشبث بأولياء النعم، فرحيل المحتل يعني إنقطاع سُبل العيش الرغيدة على حساب كل شيء، حتى الكرامة ! ( أية كرامة ؟).

فهل فكر هؤلاء بما بعد الإنسحاب ؟

أم انهم سينسحبون وأياهم كما جاءوا أول مرة؟

وسيكون حالهم حال (الأقدام السوداء) (وهو اللقب الذي أُطلق على خونة ثورة الجزائر، حين قاتلوا أبناء شعبهم الى جانب المحتل الفرنسي )، والذين قال عنهم( جورج فرييش) رئيس بلدية مدينة مونتبلييه الفرنسية، وأحد البرلمانيين عن الحزب الإشتراكي الفرنسي مؤخراً بقوله ( نحن الذين جعلنا منهم رجالاً ) بمعنى أدق، إن خونة شعوبهم مهما قدموا من خدمة للمحتل، فأنهم لايَرقون الى مستوى الرجال.


فما الذي سيَتخًلد بعد رحيل المحتل بأكثر من ديار تهدمت، ومناطق تسًورت، وأبناء تيتمت، ومشاغل تعطلت ، ورجال فقدت، وعوائل ُشردت، وأموال نُهبت، وكرامةُ تدَهورت، وذمم إنمحت. فإذا وجدنا مقابر الأمس فهل لنا أن نجد مقابر اليوم؟ وإن وجدناها فكم سيكون مضاعفاً أعدادها في هذا الزمن القياسي؟ زمن الحرية والديمقراطية (زمن آلاف الجرائد التي تعود ملكيتها لآلاف من الأحزاب الطائفية والعرقية والتي تعمل جاهدة على تقطيع البلد وشعبه بإسم الحرية المفقودة ) ، واللتان حصلنا عليهما وفقدنا كل شيء في مقابلهما ( التعليم والصحة والماء والكهرباء والأمن ) والأهم من كل ذلك ( الإنسان وهويته ومن ثم الوطن وتبعيته !).

إن من الجهل الأعتقاد بأن الذين جاءوا في ظل الأحتلال لهم القدرة على إعادة لحمة الوطن، وقد وصفهم ( بول بريمر) أول حاكم مدني أمريكي للعراق بعد الإحتلال بكتابه الذي نشره مؤخراً بأن القادة الذين عينهم بنفسه كانوا ( غير قادرون على تسيير مظاهرة في أحد شوارع بغداد ) فما بالك عزيزي القاريء وهؤلاء على قمة قيادة البلد، وما بالك والأقل منهم شأناً يقودون البلد اليوم ويرومون ذلك لما بعد رحيل المحتل.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : ما الذي قدمته هذه القيادة لهذا الشعب الذي أضناه فقدان كل شي تملكه الإنسانية في عالم اليوم، فإذا كان العذر هو الوضع الأمني المتدهور في المناطق الساخنة، فما الذي قدمته في المناطق الآمنة غير زيادة البؤس والحرمان والبطالة وإرتفاع نسبة الجريمة وتهريب كل شيء، وفقدان كل شيء، ناهيك عن زرع الفتنة الطائفية والقتل المجاني ، وإنتهاك الحرمات، وتهجير الناس والإستيلاء على أموال الآخرين ، وترويج المخدرات، ومساندة شبكات القتل والترهيب، زد على ذلك، تراكم القاذورارت والإهمال والرشوة وشراء الذمم وما الى ذلك ، ( أرقامها في إرتفاع مستمر). فما هي هموم القيادة الجديده إذن؟

والجواب هو كما تنشره الصحافة العراقية ذاتها بأن لا هًم للمسؤولين ( بمن فيهم مسؤول لجنة النزاهة التي الفتها الحكومة ذاتها ) سوى النهب وإستخدام النفوذ والسرقة لكل ماتصل اليه أيديهم ، والآن ورغم أن كل شيء في أيديهم ، فإنهم يتصرفون بصيغة المعارضين لأنفسهم، لانهم لايجدون من يعارضونه.

الفكر السياسي في دولة الإسلام والمواقف العدائية للغرب


الدكتور أحمد الجُبير

أستاذ مشارك / كلية القانون

جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا

ahmad.aljobair@hotmail.com
مقال منشور في الحوار المتمدن - العدد: 1923 - 2007 / 5 / 22.



كانت نظرة المفكرون الغربيون الى مفكري دولة الإسلام على إنهم رواد الأخلاق والفكر الفلسفي، ولكنهم لايحملون باع طويل في مجال الفكر السياسي. هذه النظرة القاصرة كان سببها هو أن الأوربيين في القرنين السادس عشر والسابع عشر يجهلون تماماً خصائص أو طبيعة الفكر السياسي عند المسلمين. بمعنى أكثر دقة إنهم كانوا يعطون أحكاماً مسبقة مفادها أن المسلمين لم يكن لديهم رؤية واضحة للفكر السياسي، وإن دينهم وثقافتهم الخاصة كانت خالية من أي فكر سياسي. وهذا ليس بغريب، رغم أن دولة الإسلام ابرزت للعالم شعلة من أعلام الفكر السياسي نبرز منهم على سبيل المثال :


أبن أبي الربيع : هو :


( شهاب الدين أحمد بن أبي الربيع: مؤلف كتاب " سلوك المالك في تدبير الممالك"

والذي إتفق فيه مع " أرسطو" من أن الأنسان يميل بطبعه الى الإجتماع ، أي أنه حيوان أجتماعي مدني، إلا أن إبن أبي الربيع إختلف معه بكون إن هذا الميل الطبيعي للإجتماع خلقه الله سبحانه وتعالى في الإنسان وبذلك فأنه أضفى طابعا إلهياً لميل الإنسان نحو الجماعة وهذا مايفرقه عما جاء في الفكر اليوناني. كما ضمًن كتابه المذكور الجديد من أفكاره السياسية المتعلقه بأشكال الحكومات، ومكانة الإنسان بالنسبة لباقي الكائنات الحية وفرقه عنها،

وتقسيم العلوم، ومكان علم السياسة منها، كما تطرق في كتابه الى أركان الدولة التي لخصها في الملك والرعية والعدل والتدبير.

الفارابي : هو :

( أبونصر بن محمد الفارابي المولود في 873 ميلاديه) من أوائل الفلاسفة الكبار في التاريخ العربي الإسلامي وأقربهم الى فهم فلسفة أرسطو. وله من الكتب والرسائل التي تجاوز عددها المائه أما أهم مؤلفاته السياسية

فكانت:
آراءأهل المدينة الفاضلة.

تحصيل السعادة السياسة المدنية..

وقد قسًم الفارابي العلوم الى

  • العلوم النظرية
  • والعلوم العملية والتي قسمها بدورها الى :
    1. الفلسفة الخلقية
    2. والفلسفة السياسية.


الماوردي : هو :


( أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري المولود في 974 ميلاديه ) ويعتبر علم من أعلام الفكر الإسلامي، ورجل من أبرز رجال السياسة في الدولة العباسية. وله مولفات عديدة. أما أشهر كتبه السياسية فهي:

  • الأحكام السلطانية.
  • نصيحة الملوك.
  • تسهيل النظر وتعجيل الظفر.
  • قوانين الوزاره، وسياسة الملك.

وينتهي الماوردي الى أن الإنسان مدني بطبعه، وهذا ما إنتهى اليه الذين سبقوه كإبن الربيع والفارابي. إضافة الى إنه حدد وبدقة الصفة المحدودة لصفات الخليفة ، وإتجاهاتها نحو الخير العام، كما حدد واجباته العامة.

ويرى الماوردي إن مهام الإمام" الخليفة "، تعتبر حقوقاً للأمه. وتُعًد كتابات الماوردي السياسية تعبيراً عن آلامة ، حيث كان شاهدا على ضعف مركز الخلافة العباسية، وما لحق بها حيث أصبح الخلفاء كالآلات المسخرة بيد الفرس تارة والأتراك تارةً أخرى.


إبن خلدون : هو .


( ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد المولود سنة 1332 ميلاديه) ومؤلف كتاب المبتدأ والخبر في أيام العرب والبربر ومن عاشرهم من ذوي السلطان الأكبر.

وبمنهج تجريبي أطل هذا العبقري بأفكاراً عن طريقة الحكم أعدها بعض الكتاب الغربيين بأنها من تأثيرات الفكر الغربي.

وخير مايذكر إبن خلدون بخصوص تكوين الدول في مؤلفه ( من أن الدوله تمر بعدة مراحل إذ تنشأ على أنقاض دوله سابقه ، ثم ينفرد الحاكم بالحكم بعد التخلص من كل أصحابه ، بعدها تمر الدولة في مرحلة الفراغ والدًعة وهي مرحلة إقتطاف الثمرات، تليها مرحلة القنوع والمسالمة، فيعيش الملك في سلام مع الأصدقاء والأعداء على السواء. وفي النهايه تمر الدولة بطور الإسراف والتبذير وفيها تنقرض الدولة وتزول).

وليس من المصادفة أن نذكر، أنه وفي الوقت الذي نشر هؤلاء العلماء آراءهم ووجهات نظرهم السياسية في الكثير من المؤلفات التي تُعتبر مراجع أساسية في علم السياسة ، ( ناهيك عن دورهم في مجالات العلوم الأخرى) ، فإن أوربا كانت تعيش في ذات الوقت في ظلام دامس، إذ أن مجتمعاتها كانت تعيش على تراكمات من التخلف والجهل وفي ظل أنظمة إقطاعية غاية في الإجحاد وعدم المسؤولية تجاه شعوبها.

ولكن كل ذلك لايبعد مافي النفوس البغيضة من بغض لهكذا شعلة وقًادًة من علماء الدولة الإسلامية، ورغم كل ماقدموه لعلم السياسة فهناك من يشكك في قدراتهم رغم مجهوداتهم الجبارة في الأخذ والصهر والعطاء ، ( ذلك العطاء الغني عن التعريف ).

ولكننا في الوقت ذاته لانستغرب من أقاويل الغرب التي شوًهت كل شيء ، حتى التاريخ !، وبلدانهم التي سرقت كل شيء حتى الحضارات. فما عسانا أن نرًد وجلً مخطوطات دولة الإسلام في متاحف الغرب ومكتباته وقد سُرقت من أماكنها. وما عسانا أن نقول بعد أن هدًوا دولة الإسلام ونهبوا كل شيء من معارفها وعلومها. وما عسانا أن نفعل بعد أن فتتوا الأرض وإحتلوا الديار وإستباحوا كل شيء. وأصبح عندنا كلً شيء بمقدار.