الأربعاء، 29 يوليو 2009

ولنا في إسلامنا رأي



الدكتور أحمد الجُبير
استاذ مشارك. كلية القانون. جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا
Ahmad.aljobair@hotmail.com
ولنا في إسلامنا رأي

رغمَ كلَ مايقال، فإن للإسلام جوانبهَُ المشرقة، فعندما كان المسلمونَ يغزون شعباً من الشعوب، فإنهم لايجبرون قط ْ رعاياهُُم الجُددَ على إعتناق إسلامهم. وقد أعطى نبيُ الإسلام محمداً (ص) مثالاً رائعاً في الحفاظ على حرمة الفرد وقدسية مشاعره وضميرَهُ الإنساني، فحين فُتحتْ مكة دونَ سفك دماء، لم يضغط المسلمون على المكيين بإعتناق دينهم الجديد، أضف الى ذلك، أن الإسلام أوجب أتباعه إحترام "أهل الكتاب" فسمح لليهود والمسيحيين داخل الدولة الإسلامية بممارسة حريتهم الدينية كاملةً، كما ولم يُحرم الزرادشتيين أو الهندوس أو البوذيين من ممارسة حقوقهم الدينية أيضاً.
فهل هذا كان أيديولوجية دينية محضة؟ أم إنه كان توجها سياسيا ذا تطلعات إنسانية دقيقة لمشاعر الناس حينما تفتح بلدانهم؟. في حقيقة الأمر أنه مزيج من التوجهين معاً. فحين تغزوا جيوش المسلمين بلدا،ً يترك قادة الجيش خلفهم أعداداً قليلة من المسلمين لغرض فرض الأمن وتسيير شؤون الحياة. هذه القلة لم يكن بإمكانها أن تفرض دينها على أغلبية السكان فرضاً، إذ سيكون ذلك ضربا من الجنون لو إنها أرادت ذلك. وهذا المبدأ ( عدم فرض الدين على الناس فرضاً ) في الحقيقة عكس جوانب مهمة في حياة العرب منها:
1. إن العربَ كانوا قد إعتادوا التعايشَ ( فهو إذن دين تعايش مع الآخرين ) جنبا الى جنب مع ديانات أخرى كانت في أصقاعهم.
2. إن العربَ تعًلموا درساً ممن خلفهم من البيزنطينيون والفرس، الذين فرضوا دياناتهم فرضاً، فكانت نتائجهم السياسيه مدمره لهم ولرعاياهم ( فكان هذا التوجه السياسي قاعدة لسياسة العرب المبنية على عدم فرض دينهم على الشعوب بالقوة ).
وهذا ماميًز الأسلام عمن سبقه. وأوجد قبولاً واسعاً لم يحظ به الذين سبقوه في هذه الأصقاع. فإ ندفعتْ هذه الشعوب وبمشيئتها المحضة الى إعتناق الدين الجديد، فلم، دون ضغط أو إكراه. ولتأكيد هذا القول فأن خلفاء المسلمين الأوائل منعوا ( ولفترة قليلة من الزمن ) الناس من إعتناق الإسلام، حتى لاتقل موارد الدولة من ضريبة "الجزية"، وهو ماكان يشكل خطورة على الإقتصاد الإسلامي في وقته، وبالتالي على مستوى الأداء.
ليس هذا فحسب بل أن للإسلام جاذبيته الخاصة التي ميزته عن غيره من الديانات، فهو صاحب التوحيد الأخلاقي قياساً بعصره، وهو الدين التقدميً للشعوب الأكثر تقدماً، رغم أن منبعه كان من المجتمعات الأكثر تخلفاً في وقتها. ولهذا فإن صورة الإسلام راقت لشعوب الشرق ومناطق عدة من أفريقيا، وبهذه الصورة تميز الإسلام كثيراً عن غيره من الديانات.
وقد عمًق الإسلام وضوح الصورة فيما يتعلق بالفهم الذي يمكن أن يدركه الإنسان البسيط في توضيح العقائد. فنظرة الإسلام للسيد المسيح بن مريم عليه السلام كنبيً عظيم وأنه بشر مولود بمعجزة من الخالق العظيم، خلقت ولازالت عمقاً وإدراكاً قرًب الكثير من حاملي الديانة المسيحية اليه، وبها فضًل أصحاب الديانة اليهودية الأسلام عما سواه، وتشير كتب التاريخ، الى أن الكثير من اليهود الذين لم يعتنقوا الإسلام، حاربوا الى جانب الجيوش الإسلامية في ذلك الزمان، لإعتقادهم بعالمية هذه الديانة أولاً، ولرؤيتهم بقربها عن ديانتهم في بعض رؤآها ثانيا.
ورغم نزعة البعض في عالم اليوم الى وصف الإسلام والمسلين بأضداد التقدم والإنفتاح، ورغم وجود من يعين هؤلاء، ممن يدًعون بالعلم بالدين من المسلمين، والمتطرفون من الجهلة بحقيقة الإسلام وجوهره، إلا أن الخلفية الحقيقية برأينا لهذا وذاك، هي أن مسلمي القرن السابع الميلادي، كانوا من التواقين الى التعًلم وإستيعاب العلوم والفلسفات من شعوب المجتمعات التي إحتلوها، ومن علوم الذين سبقوهم من الحضارات القديمة ( وهذا ما ساعدهم على التقدم بسهولة ويسر )، وقد ساعدهم في ذلك، أبناء الشعوب التي إحلتوها والذين إعتنقوا الإسلام.
وليس هذا فحسب بل أن المعتنقين الجدد أرادوا دمج عادات وتقاليد وثقافات بلدانهم مع تقاليد وعادات القادم الجديد "العربي". وقد نتج عن هذا المزج بروز أجمل ثقافة في ذلك الزمان، فكانت فريدة ومتميزة في فنها وعلمها وعمارتها وجامعاتها وثقافتها وفلسفتها. فالإسلام أظهر أنه دين التقدم والحضارة والإنفتاح والتعامل مع الآخر "بروح بعيدة عما يمثله أضداد الدين فيما مضى أو في عالم اليوم". ورغم كل أحداث القدر فمعتنقوا الإسلام اليوم لاتغيب من فوق رؤسهم شمس، ولهم من حق العيش كما للآخرين ( تحت مظلة القانون والعدل والحرية والطمأنينة والإحترام ). بعيدا عن لغات الترهيب والتنكيل والتشويه والقتل بشقية لكل بريء وما شابه، فهذه لغات متطابقة في نتائجها، رغم إختلاف وسائلها ومبرراتها، ولو دقق بها أصحابها لوجدوا أنهم آثمون بما يفعلون.