الخميس، 3 ديسمبر 2009

القروض الشخصية في دولة الامارات العربية المتحدة وأثرها على الفرد والأسرة والمجتمع



القروض الشخصية في دولة الأمارات العربية المتحدة
وأثرها على
الفرد والأسرة والمجتمع.

الدكتور أحمد الجُبير
استاذ مشارك/ كلية القانون جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا.
ahmad.aljobair@hotmail.com



سياسة الدولة الاقتصادية:
· ان سياسة دولة الأمارات العربية المتحدة اليوم تقوم على أساس من الحرية الاقتصادية، وعلى تطبق شعار دعه يعمل.. دعه يمر، والمفروض من الجميع العمل وفق هذا الشعار، وعليهم عدم الحد من آليته، والاستفادة القصوى من تطبيقة .
· إذ أن هذا المبدأ هو الذي فتح الباب للدولة في البناء والأستثمار،
· وهو هدف تسعى اليه ( حتى الدول الكبيرة )،
· فكان تطبيق الشعار المذكور سبباً في الانطلاقة التنموية الكبيرة في جميع مجالات الحياة في الدولة رغم أنه ليس المجال الوحيد للعمل الاقتصادي.
· وبالتأكيد فأن لكل عمل إيجابياته وسلبياته.

محفزات وأسباب الاقتراض:
· من محفزات الاقتراض هي:
· الانطلاقة الافتصادية الهائلة والتوسع والانفتاح.
· الرغبة الجامحة في الربح السريع .. مما دفع الكثير من الشباب للاقتراض الشخصي والتعامل مع الأسهم (البورصات) ناهيك عما رافق تلك العملية من:
· الدخول في مظاهر التفاخر بالرفاهية والترف، والتي دفعت الى اللجوء الى المزيد من القروض من البنوك، (التى شجعت بدورها، وبسخاء تلك المظاهر).
· إن عمل البنوك هذا، سرعان ما انعكس سلباً على حياة الشباب وبالتالي على عوائلهم بالتبعية.
وقد يلجأ الشباب للقروض الشخصية لأسباب عديدة منها :
أولاً : أسباب شخصية :
· كالرغبة في العمل والنجاح. ( دون تتوفر القدرة على الوصول الى الأهداف لأسباب شخصية (كقلة التعليم، والخبرة) وهي الصفات الغالبة.. أو لأسباب خارجة عن نطاق الفرد كأن تكون: لأسباب تقنية أو الرغبة في التفاخر والظهور بما هو عليه الآخرون، كشراء سيارة فخمة أو إقامة مراسيم زواج مكلفة أو غيرها من المظاهر، والتي يشجع عليها المجتمع في الظروف الحالية.
ثانياً: أسباب عامة تتلخص في :
· التسهيلات التي تقدمها البنوك: وما يتبعها من: سياسات دعائية، وثقافات تشجيعية، تسهم في كسب أكبر قدر ممكن من المقترضين. (ونشير الى أن بعض هذه السياسات التي تتبعها بعض البنوك تضر بالفرد والمجتمع على السواء) لانها تشكل فخاخ لفئة واسعة من الناس تعود عليهم بالضرر، وعلى عوائلهم والمجتمع بالنتيجة، خصوصاً تلك الفئات التي لاتعي الأضرار المستقبلية لذلك العمل.
· المناخ العام والمتمثل في الطفرة التنموية التي تحصل في الدولة ، مما يخلق أجواء المنافسة، خصوصاً لدى فئة الشباب والتفكير بالكسب السريع،
تبعات الاقتراض....
· لهذا الإندفاع والحماس مساويء تقود الى الدخول في مجالات يكون الفرد فيها غير ذي خبرة.
· (كما هو الحال في الدخول في مجال المضاربات في الأسهم (البورصة) مما تعود على الفرد بنتائج كارثية تقود به الى السجن، أو لتدمير وضعه العائلي أو علاقته بالمجتمع وما الى ذلك. كما ينعكس ذلك على المجتمع بشكل مباشر،
· حيث تتحمل الجهات الأمنية والقضائية العبيء الأكبر في المتابعة والتنفيذ،
· أما البنوك فتتحمل عبيء الخسائر المادية والجهد في المتابعة .
· كما أن المجتمع يتحمل الخسائر المادية والنفسية المترتبة على تلك العملية.
مسئولية الخطأ.
· حين السؤال عن مسئولية هكذا عمل:
· نجيب:
أولاً: بأن الطرفين ( البنوك والأفراد ) يتحمل المسئولية لما يحصل في البلد.
· غير أن البنوك تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية لسببين هما:
1) إن البعض من هذه البنوك لاتعمل ضمن ضوابط تخدم المجتمع. إذ أن ما تقوم به اليوم هو إهدار لثروات يمكن الإستفاده منها بشكل أفضل وتجنب الناس أضراها.
2) لو تقيدت هذه البنوك في ضوابط العمل المعمول فيها في الدول التي تعمل وفق ضوابط العمل المصرفي الملتزم، مع الأخذ بما يخدم عادات وتقاليد المجتمع العربية والإسلامية لحرمت فئات كبيرة من (غير الواعين للأضرار المترتبة على إقتراضهم لأسباب لا تخدم واقعهم أو مستقبلهم). ولجنبت المجتمع هذه الأضرار والثغرات التي تعاني منها فئآت كثيرة في المجتمع.
ثانياً: السياسات الأعلامية والتربوية الخاطئة لها نصيبها المتميز في المسئولية المشار اليها. وعليه لابد من أن نعيد تحديد الأهداف لما نريد لأبنائنا في المستقبل. وعلى ضوء ذلك علينا: توجيه الوسائل المتاحة لخدمة تلك الأهداف. وبما أن المجتمع يريد لأبناءه النجاح لبناء دولته على أسس ذات مواصفات خاصة
· إذن علينا أن نستعد من اليوم لهذا البناء. وبما أن التربية والأعلام في يومنا هذا، تعتبر من الأسس التي تقوم عليها حركة النجاح. إذن فعلينا التوجه من :
· سياسة الأغراء للشباب ودفعهم للوقوع في (شباك القروض) والمخاطر القانونية والمالية ومن التوعية غير السليمة التي يكتسبها الفرد من محيطه، والتي تدفعة للإنغماس في مظاهر الثراء والرفاهية غير الواقعية، الى سياسة:
· الإرشاد والدفع نحو البناء الرشيد، وذلك من خلال سياسات إعلامية ومالية تدعو الى الإستثمار (الحقيقي) بما يعود على الفرد والمجتمع بمنافع إيجابية.
· والتوجه نحو تربية الفرد، وإلزامه بضوابط العمل الجدي ، فيما لو فكر في أن يستثمر وأن يبني مسقبلاً مضموناً.
· نعم ... جميعنا يمر بأزمات... وفي بعض الأحيان نكون في شدة الحاجة الى المال، ولكن ليس الاحتياج لمظاهر الترف أو التبذير.
نقاط يجب الأخذ بها:
· وهنا نحث الجميع على:
· التوفير بكل أشكاله، وتطبيق المثل الشعبي القائل " القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود ".
· وعلى البنوك أن تعمل على : تنمية الادخار والتشجيع عليه،
· وأن تكون رسالة البنوك هي التشجيع على التوفير بدل الاقتراض،
· وأن تصرف هموم عملاء البنوك إلى:
· زيادة رصيدهم المالي لا إلى افراغ حساباتهم.
· ويجب أن تكون الثقافة المالية والاقتصادية متمركزة في:
· عدم التبذير،
· والتوجه نحو التوفير الشخصي، ليواجه الإنسان ظروف حياته الطارئة.. وبالتأكيد فإن كل إنسان مهما كان دخله قليلاً، يستطيع ان يستقطع جزءاً صغيراً منه وايداعه لدى البنك،
· وبالامكان تنمية هذه المدخرات البسيطة لتكون نواة استثمار كبيرة في حالة بقائها فترة كافية تحت تصرف البنك وحكمة العاملين فيه.
· وبهذا ستكون البنوك محطة للتوفير بدل أن تكون محطة للتبذير..
· وقد أشارت الصحافة بخصوص حل مشكلة القروض بالقول: (جريدة الخليج).(حل مشكلة القروض يتمثل في تطبيق القوانين ونشر ثقافة التوفير التي من الواضح أن البنوك تحاربها، ولكنها هي الحل الحقيقي لحماية الناس من الاقتراض ومتاهات السجون).
· وإلا يصبح من الطبيعي جداً أن تصل قيمة القروض البنكية للمواطنين وغير المواطنين إلى 120 مليار درهم، كما تشير الصحافة والمأخوذة عن إحصائيات البنك المركزي.
· من العدل أن لانظلم جهة على حساب جهة أخرى وحتى لانلوم الجهة الضعيفة في القضية علينا أن :
· نلزم الجهة القوية بضوابط .. أو، أنظمة عمل واجبة التطبيق، والتي من خلالها .. يمكننا محاسبتها وإعتبارها مخالفة لتلك الضوابط. وإلا فليس بإمكان أحد توجيه إتهامات لتلك الجهات.
المهمة الأساسية للعمل المصرفي:
· ان المهمة الأساسية بإعتقادنا هي مهمة البنك المركزي الذي من واجبه:
· تحديد حركة البنوك والحد من نشاطها المخالف للشروط الواجب السير عليها لبناء مجتمع دون ضحايا (نتيجة لجهلهم أو لطمعهم أو لسلوكهم الخاطئ أو تصرفاتهم التي تعتبر مخالفة للقوانين).
· فعدم مسائلة البنوك.. ليست عملية محاباة أو خوف وما الى ذلك ..
· بقدر ماهي:
· فقدان لوجود ضوابط تحدد آلية عمل البنوك هذه وبالتالي لوجود آلية لمحاسبتها.
ومثال ذلك هو أن البنوك لا تقوم بدراسة موسعة عن طالبي القروض ولا عن قدراتهم الائتمانية،
· كما انها لا تبحث عن صحة وجود الحاجة لهذه القروض من عدمها،
· كما أنها لا تعمل على متابعة وملاحقة المال المصروف وأوجه صرفه، فقد لا تكون هناك حاجة فعلية أو ضرورة ملحة للحصول على هذه القروض،
· ولكن .... قد تكون هذه القروض بذات الوقت:
· بمثابة فخاخ يقع فيها المقترضون، حيث إن إغراء توفر السيولة وإمكانية الحصول عليها بسهولة يشجع الكثير من الحصول عليها، ومن ثم صرفها في أوجة قد لا تكون ذات فائدة... وبالمناسبة فإن البنوك كما يرى البعض:
· لا تكترث لأي إسراف أو إهدار للمال المقترض.. طالما كانت البنوك قادرة على تحصيلها.
مقرحات للإصلاح.
· عليه ومن أجل حماية هؤلاء الناس، لا بد من قيام بما يلي:
· إنشاء هيئة تقويم ائتماني مركزية للأفراد،
· ويتولى البنك المركزي مهمة الإشراف عليها أو مراقبتها تكون مهمتها تقويم الأفراد ائتمانيا،
· ووضع ضوابط مشددة للحصول على هذه القروض، بحيث لايسمح بالحصول عليها ( إلا لمستحقيها ). ولمن هم في وضع، قادر على إستثمارها بشكل رشيد حتى يخدم المقترض بها نفسة أولاً ويكون ضامنا لعودة الأموال المقترضة الى البنوك المانحة ثانياً .
· ناهيك عما يدًره الإستثمار الشخصي من فوائد للمجتمع.
· وما تقدمه هذه العملية من تجنب الناس مخاطر الإفلاس والسجون.
· ومن تخفيف الضغط عن الجهات العامة وخصوصاُ ( الأمنية والقضائية ) التي هي: طرفا أساسياً في العملية التي نحن بصددها، لتتوجه جهودها الى مجالات أخرى تخدم المجتمع بشكل أفضل.
· وأن تعمل الهيئة المقترحة على حفظ سجل ائتماني للمقترضين لديها،
· ونرىكما يرى بعض الخبراء ، من أن وجود الهيئة المقترحة، هو عمل :
· لا يشجع الأفراد على الاقتراض من أي جهة كانت. لأنها سوف تأخذ بالحسبان تأثير ذلك على وضع المقترضين وعلى سجلهم الائتماني الحالي والمستقبلي. وعليه فان موافقتها سوف لن بكون تلقائية مما يبعد المقترضين عن الإنعكاسات ذات المخاطر النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
القروض الشخصية تختلف عما سواها من القروض:
· والسبب في ذلك هو:
· إن القروض الشخصية ليس لها ضمانات مادية كما هو الحال في القرض العقاري مثلاً حيث (المحل هو الضامن للقرض).
· وبالتالي فإن القرض الثاني (العقاري) لايدفع صاحبه الى السجن بقدر القرض الأول الذي يكون صاحبه عاجز عن تقديم شيء مادي يسدد به القرض ، مما تعتبره القوانين مخالفاً ويستحق عقوبة السجن.
ما المطلوب للسير عليه لتجنب تلك المسيرة؟
· النصيحة لكل شاب أو شابة في هذا البلد هي:
· أن لايقدم أياً منهم على مثل هذا العمل (الأقتراض)،
· لأنه عمل خطير.. له أنعكاسات سلبية(آنية ومستقبلية) على الشخص المقترض نفسه بالدرجة الأساس، وعلى عائلته ومجتمعه.
· صحيح أن طموح الشباب مشروع في العمل والربح ولكن:
· يجب أن تكون كل خطواتهم مدروسة غير متسرعة ولا طائشة.
· فعليهم أن لا يندفعوا وراء السراب.. فالبورصات تحتوي على مخاطر كبيرة،
· (وعلى المرء أن لا يضع كل البيض في سلة واحدة ).
· وليس العيب من أن نستشير من لهم الخبرة في الحياة والعمل.
· ولكن العيب... في أن نخطأ ونصر على الخطأ.
· إن الجميع معرض للحاجة المادية ،
· لكن الحل لا يكمن في أن نعرض أنفسنا لمخاطر السجن.
· إذن الحل في مكان آخر بكل تأكيد.
· وخير الحلول هو في الجد والإجتهاد.
· وفرص العيش متوفرة في هذا البلد وبشكل يشمل الجميع.
· وعلى الجميع أن يسعى لعمل يوفر عليه اللجوء لمخاطر القروض.
· وأن نعي مخاطر الإنغماس في مسايرة المجتمع المفرطة في المظاهر المكلفة.
· وأن نركن الى القناعة بما آتانا الله جل وأن نسعى في مناكبها ، والله المعين.
دور المجتمع في الحل المناسب.
· يمكن للمجتمع تلافي ذلك من خلال عملية تحريك الأعلام والتوعية بمخاطر الاقتراض، وهذه الخطوة تعد من الأمور التي يمكن القيام بها.
· والمعروف أن الإعلام وسيلة ضغط كبيرة على أصحاب القرار لإجبارهم على تبني موقفاً من العملية.
· وعلية لابد من الدعوة للتحريك الإعلامي وعدم التستر على المعاناة التي يلاقيها المتضررون. وبالمناسبة نود الأشارة الى أن ماتقوم به بعض:
· الجمعيات الخيرية (من تسوية لديون بعض المتضررين) وهي مشكوره على عملها الخيري. وبعض الجهات الحكومية (بتسديد ديون بعض المقترضين) من أن هذا العمل يجب أن:
· لا يكون بديلاً لحل شامل ودائم (عن طريق وضع التشريعات المنظمة لعمل البنوك) إذ بدونها .. فإن الحلول مهما كانت، ستواجه مصاعب أكبر في المستقبل وستجد هذة الجمعيات والجهات الحكومية نفسها يوماً ما عاجزة عن تقديم المساعدة الازمة: (لاعداد هائلة من الناس ولمبالغ طائلة واجبة التسديد).
رفع شعار (الاقتراض من أجل الاستثمار لا للتبذير).
· ان القروض المصرفية تعد بلا شك احدى اهم الأدوات الاقتصادية والسبل الاستثمارية لتمويل عمليات التنمية الاقتصادية وتحريك القوى السوقية،
· وفي هذا الخصوص تلعب البنوك الدور التنظيمي الأساسي فيه حيث تستقطب الودائع وتجمع المدخرات وتقدم التسهيلات وتضخ الأموال لتحافظ على حيوية الاسواق
· وعلى رأس هذه الإجراءات هو منح القروض الشخصية الإستثمارية،
· وفق نظم وضوابط محددة وبعد دراسات إقتصادية لكل حالة على حدة،
· وليس هذا وحسب بل أن البنوك بامكانها أن تعيد التوازن الملائم :
· بين المدخرات المتاحة والاستثمارات المطلوبة.


الخميس، 5 نوفمبر 2009

المسئولية الجنائية لرؤساء الدول .. كمسببي حرب



الدكتور أحمد الجُبير
أستاذ مشارك/ كلية القانون/ جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا.
Ahmad.aljobair@hotmail.com

المسئولية الجنائية لرؤساء الدول
كمتسببي حرب
التاريخ البشري حافل بالشواهد على الحروب التي عصفت بالبشرية على مر العصور. وقد تنبه الأنسان مؤخراً بأن عليه الحد من هذه الظاهرة. وعليه فقد تبنت الدول الحديثة مباديء محاسبة مسببي الحروب والمخالفين لكل القيم والأعراف والقوانين الدولية، كما ومعاقبة القائمين على كل الإنتهاكات ضد البشرية وقوانينها السارية. وقد شهد العالم مؤخراً عدة محاكمات ويبدو إن الرغبة موجودة في إنشاء المزيد.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل يؤدي اللًجوء الى القوة المسلحة خارج الحالات التي تنص عليها لوئح الامم المتحدة، الى المحاكمة امام العدالة الدولية؟ وأي المحاكم الدولية التي يمكنها النظر في جرائم الحرب والاعتداءات على حقوق الانسان المرتكبة في حال حصولها؟
إن المحاكم الدولية التي اختصت بجرائم الحروب والتي تم تشكيلها منذ الحرب العالمية الثانية حتى الوقت الحاضر هي التالية:
* المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرج عام 1945.
* المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة عام 1993،
* والمحكمة الدولية لرواندا عام 1994.
* المحكمة الجنائية الدولية 2003 إضافة الى وجود:
* محكمة العدل الدولية والتي أنشئت عام 1946.
لابد من التوضيح أولاً بأن "النظام القانوني الدولي لا يزال مبنيا على مبدأ السيادة ولا تزال الدول ومسؤولوها يحتفظون بوسائل حماية فعًالة. فمحكمة الجزاء الدولية لا يمكنها التدخل مثلا الا اذا كانت الدولة التي وقعت فيها الجريمة والتي ينتمي اليها المتهم قد صًدقت على قانون هذه المحكمة".(1)

فهل هذا يعني أن الحكام ودولهم بعيدين عن أي عقاب قانوني بسبب هذه الأنواع من الحماية؟ والجواب هو في الحقيقة : كلا، وذلك بسبب التطورات القانونية التي اتسعت مهامها ومجالاتها خصوصاً في المجال الجزائي. فإنشاء محكمة الجزاء الدولية، وحرص العديد من الدول للتوقيع عليها، يعكس الرغبة العالمية لتطبيقها ومحاسبة الذين يستحقون الحساب على جرائمهم ضد الإنسانية بجميع أشكالها. ورغم عدم توقيع بعض البلدان على الإتفاقيه، إلا إن ذلك لايمنع من تعاونها في حال تسليم مجرمين للعداله وما الى ذلك. ومن التمعن بالخطوات التي سارت عليها عملية إنشاء محكمة الجزاء الدولية، نرى الإقرار والقبول الطوعي للبلدان الموقعة للالتزام بالقواعد الدولية المشتركة، وبالتالي لتخطي الجدل الحاصل على موضوع التمسك بموضوع السيادة الوطنية، والذي يفرز ظاهرة التحفظ وعدم تسليم من يستحق العقاب، وبالتالي لتجاوز القوانين والاستهانة بما يسببه هؤلاء من جرائم.
ومن المظاهر العملية للمحاسبة القانونية لأشخاص في مراكز عليا في السلطة أو مسئولين سياسيين، هو ما تقدم به عام 1998، قاضيان إسبانيان. إذ قًدما مذكرة لتوقيف الرئيس الشيلي السابق الجنرال اوغوستو بينوشيه، وعضو مجلس الشيوخ الشيلي في حينها، رغم تمتعه بالحصانة الدبلوماسية. " وقد تم توقيفه من قبل الشرطة الإنجليزية بناءاً على مذكرة التوقيف الدولية التي أصدرها القاضيان والتي تحتوي على إتهامات جرائم ضد البشرية، أعمال إرهابية، وعمليات التعذيب لمواطنين من ذوي الجنسية الأسبانية.
ورغم إن محاكمة الدكتاتور بينوشيه لم تتم، إلا إن ذلك عكس الرغبه التي تم تثبيتها في لوائح المحكمة الجنائية الدولية. إذ أنه واستثناءاً لقواعد الحصانة الديبلوماسية يمكن ملاحقة رؤساء الدول والحكومات.
و"خلافا لمحكمة العدل الدولية التابعة للامم المتحدة والتي انشئت عام 1946 والتي تنظر في الخلافات بين الدول فقط، فان محكمة الجزاء الدولية تحاكم الافراد على طريقة المحاكم المتخصصة مثل المحكمة من اجل يوغوسلافيا السابقة
ورواندا. ويحدد نطاق صلاحياتها بجرائم الابادة والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب والاعتداء الواقعة في اي مكان ابتداء من سريان صلاحياتها في الاول من تموز/يوليو 2002".(2)
ورغم ذلك فقد إمتنعت بعض الدول من التوقيع على إتفاقية إنشاء محكمة الجزاء الدولية، منها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وتركيا وإسرائيل والعراق.

وتختلف المحكمة الجزاء الدولية عما سبقها من محاكم دولية كونها تشكلت وفق اتفاقية دولية، أما ما سبقها من محاكم فقد تشكلت وفق قرارات من الأمم المتحدة. وتعد محكمة الجزاء الدولية كونها هيئة دولية دائمة أنشئت بمقتضى معاهدة دولية (كما أشرنا)، لغرض التحقيق ومحاكمة الأشخاص الذين يرتكبون الجرائم الخطيرة في المجتمع الدولي،. بينما إنحصرت مهام المحاكم الأخرى بمهام محددة، (تنتهي بانتهاء مهمتها).
"من جهتها محكمة العدل الدولية، يمكنها ان تنظر في مشروعية لجوء دولة من الدول الى استخدام القوة واحترامها لقوانين الحرب. وهي تستعد الآن مثلا للنظر في شكاوى تقدمت بها يوغوسلافيا ضد التدخل الدولي في كوسوفو عام 1999 وهو تدخل جرى ايضا من دون موافقة مجلس الامن الدولي. بيد ان محكمة العدل الدولية لا يمكنها التدخل الا بموافقة الدول التي تقر بصلاحياتها الدائمة ومن دون شروط، للنظر في كل النزاعات او الموافقة على صلاحياتها للنظر في قضية محددة". (3)
من المعلوم إن بريطانيا هي الدولة الوحيدة من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي التي تقر بالصلاحية الدائمة لمحكمة العدل الدولية، إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية وافقت على صلاحيات المحكمة حين إنشاءها عام 1946، ولكنها تراجعت والغت موافقتها بعدما أدانتها تلك المحكمة في قضية الدعوى التي تقدمت بها نيكاراكوا.
والمعروف أن محكمة العدل الدوليه لايمكنها التدخل الإ حينما يكون الطرفان يعترفان بصلاحيات المحكمة كما أشرنا، ورغم ذلك فإن المحكمة لا تملك وسائل لتطبيق قراراتها، كما حصل في قضية نيكاراكوا مع الولايات المتحدة الأمريكية. فلو أن العراق (مثلا) تقدم بشكوى ضد رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير بخصوص عدم شرعية الحرب على العراق وأقرت المحكمة بذلك، فليس للمحكمة من وسيله لتطبيق قرار الحكم سوى اللجؤء الى مجلس الأمن والذي بدوره وعن طريق حق الفيتو( الرفض) يمكنه تعطيل تنفيذ القرار، والمحصلة النهائية هي الاستنتاج بعدم قدرة محكمة العدل الدولية على الحسم القضائي في موضوع مشروعية أو عدم مشروعية الدول في إستخدام القوة واحترامها لقوانين الحرب رغم إمكانيتها في ذلك.
وفيما لو نظرنا للجانب الآخر، أي في موضوع إمكانية تحميل الرؤساء المسؤولية الجنائية كمسببي حرب، فالإمكانية الأكثر تطبيقاً هي صعوبة تحقيق ذلك في الواقع العملي، خصوصاً حين يكون الرئيس على قمة هرم السلطة لبلده، والدليل على ذلك هو عدم حصول إدانة عملية حصلت في التاريخ لرئيس دولة أثناء تأديته لواجبه كرأس للسلطة التنفيذية في بلده، أما الحالات التي حصلت منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن فلا تتعدى كونها محاكمات لرؤساء ومسولين تمت الأطاحه بهم وإزالتهم عن هرمية السلطة ( ويشار في هذا الصدد ما للتأثير السياسي في تشكيل وقرارات المحاكم المذكورة من تأثير). ويرجع الفضل في ذلك بكل تأكيد لموضوع السيادة الوطنية الذي يتحصن خلفه الرؤساء وكبار المسؤلين). ورغم أن هذا العامل سيء من وجهة نظر كونه يمنع محاسبة الرؤساء والمسؤولين عن الحروب غير القانونية أو ذات الصبغة غير المشروعة للقيام بها وما يرافقها من عدم إحترام للحقوق الإنسانية وما شابه، إلا أن موضوع السيادة الوطنية ضروري الوجود لحالات عدم الإخلال بالعلاقات الدولية والتي قد تقود الى سوء الفهم والتوتر الدولي، وهو مايدفعنا للحديث عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية فيما بين الدول. وبالتالي موضوع الحصانات الدبلوماسية التي هي عملية مكمله لعدم تعطيل التواصل بين الدول.
ولهذه الأسباب تعثرت المطالبات بمحاكمة الرئيس الليبي معمر القذافي في فرنسا على خلفية سقوط الطائرة الفرنسية، كما ومحاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي آريل شارون على خلفية مجازر صبرا وشاتيلا، وكذلك المطالبة بمحاكمة الرئيس بوش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية والسيد توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق على خلفية الحرب على العراق ومخالفتها الشرعية الدولية.
وعليه فليس هناك من إمكانية، في أن تتخلى الدول عن مبدأ السيادة الوطنية لصالح عدالة ما فوق وطنية. "وتأخذ انظمة محكمة الجزاء الدولية في الاعتبار هذا الواقع اذ تنص على ضرورة ان يعكس تشكيل المحكمة تنوع الانظمة القانونية من جهة وعدم تدخل المحكمة الا في حال قصور القضاء الوطني من جهة اخرى. ويخشى ان يؤدي هذا البند الاخير الى تمييز بحق البلدان الفقيرة حيث النظم القضائية نادرا ما تتمكن من تأمين سير العدالة بصورة مرضية. ذلك انه لا يفترض بالعدالة الدولية ان تتحول اداة اخرى في يد الدول الكبرى، ويمكننا ان نتخيل كيف سيقدم الاميركيون والبريطانيون على محاكمة المسؤولين العراقيين تماما كما تقوم المجموعة الدولية بمحاكمة مجرمي الحرب من الصرب من دون التعرض بالطبع لمن ارتكبوا هذه الجرائم في صفوف حلف الناتو".(4)
ويمكن الإقرار بحدوث محاكمات لرؤساء دول في قمة السلطه إذا ما دفعت بذلك، دول ذات تأثير كبير في المجتمع الدولي و"لأغراض سياسيه طبعاً، "، وهو ما لم يشكل القاعدة العامه لمحاكمات ذات طبيعة انسيابية من قبل المحاكم الجنائية الدولية. وبغيره فإنه من المستبعد أن تتم المسائلة القانونية للرؤساء على المدى المنظور على الأقل، ولكنه يبقى حلماً يراود البشرية في تحقيقه.
والمثال الذي يمكن أن نقدمه هنا هو:
لو أن الدول الست الأعضاء في مجلس الأمن، اتفقت على إنشاء محكمة لمحاكمة المتسببين في مقتل رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري (والتي تم إنشائها وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة)،
وتم تثبيت صفة الجريمة ضد الإنسانية ضد المتسببين والمنفذين.
لأصبح لزاماً استدعاء الرؤساء ذوي العلاقه بالموضوع لمحاكمتهم أو توقيفهم،
في حين أن: « النص الحالي لمسودة المحكمة أولاً، وإثر التدخل الروسي الناجح لنزع صفة الجريمة ضد الإنسانية عن اغتيال الحريري ثانياً،
أُبعدت فكرة محاكمة الرؤساء (المعنيين بالموضوع).
أما استدعاؤهم أو الاستماع اليهم فهذا أمر لا يزال غامضا». (5)


المراجع
1. Anne-Cecile ROBERT:” Dans le chaos de l’après-guerre, Justice internationale, politique et droit. » Le monde diplomatique. Édition imprimée — mai 2003 — Page 25.
2. Anne-Cecile ROBERT:” Dans le chaos de l’après-guerre, Justice internationale, politique et droit. » Le monde diplomatique. Édition imprimée — mai 2003 — Page 25.
3. Anne-Cecile ROBERT:” Dans le chaos de l’après-guerre, Justice internationale, politique et droit. » Le monde diplomatique. Édition imprimée — mai 2003 — Page 25.
نفس المرجع: ص.25.
بشارة منسى: جريدة الشرق الأوسط .العدد 10223 في 24.نوفمبر 2006.

الأربعاء، 29 يوليو 2009

ولنا في إسلامنا رأي



الدكتور أحمد الجُبير
استاذ مشارك. كلية القانون. جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا
Ahmad.aljobair@hotmail.com
ولنا في إسلامنا رأي

رغمَ كلَ مايقال، فإن للإسلام جوانبهَُ المشرقة، فعندما كان المسلمونَ يغزون شعباً من الشعوب، فإنهم لايجبرون قط ْ رعاياهُُم الجُددَ على إعتناق إسلامهم. وقد أعطى نبيُ الإسلام محمداً (ص) مثالاً رائعاً في الحفاظ على حرمة الفرد وقدسية مشاعره وضميرَهُ الإنساني، فحين فُتحتْ مكة دونَ سفك دماء، لم يضغط المسلمون على المكيين بإعتناق دينهم الجديد، أضف الى ذلك، أن الإسلام أوجب أتباعه إحترام "أهل الكتاب" فسمح لليهود والمسيحيين داخل الدولة الإسلامية بممارسة حريتهم الدينية كاملةً، كما ولم يُحرم الزرادشتيين أو الهندوس أو البوذيين من ممارسة حقوقهم الدينية أيضاً.
فهل هذا كان أيديولوجية دينية محضة؟ أم إنه كان توجها سياسيا ذا تطلعات إنسانية دقيقة لمشاعر الناس حينما تفتح بلدانهم؟. في حقيقة الأمر أنه مزيج من التوجهين معاً. فحين تغزوا جيوش المسلمين بلدا،ً يترك قادة الجيش خلفهم أعداداً قليلة من المسلمين لغرض فرض الأمن وتسيير شؤون الحياة. هذه القلة لم يكن بإمكانها أن تفرض دينها على أغلبية السكان فرضاً، إذ سيكون ذلك ضربا من الجنون لو إنها أرادت ذلك. وهذا المبدأ ( عدم فرض الدين على الناس فرضاً ) في الحقيقة عكس جوانب مهمة في حياة العرب منها:
1. إن العربَ كانوا قد إعتادوا التعايشَ ( فهو إذن دين تعايش مع الآخرين ) جنبا الى جنب مع ديانات أخرى كانت في أصقاعهم.
2. إن العربَ تعًلموا درساً ممن خلفهم من البيزنطينيون والفرس، الذين فرضوا دياناتهم فرضاً، فكانت نتائجهم السياسيه مدمره لهم ولرعاياهم ( فكان هذا التوجه السياسي قاعدة لسياسة العرب المبنية على عدم فرض دينهم على الشعوب بالقوة ).
وهذا ماميًز الأسلام عمن سبقه. وأوجد قبولاً واسعاً لم يحظ به الذين سبقوه في هذه الأصقاع. فإ ندفعتْ هذه الشعوب وبمشيئتها المحضة الى إعتناق الدين الجديد، فلم، دون ضغط أو إكراه. ولتأكيد هذا القول فأن خلفاء المسلمين الأوائل منعوا ( ولفترة قليلة من الزمن ) الناس من إعتناق الإسلام، حتى لاتقل موارد الدولة من ضريبة "الجزية"، وهو ماكان يشكل خطورة على الإقتصاد الإسلامي في وقته، وبالتالي على مستوى الأداء.
ليس هذا فحسب بل أن للإسلام جاذبيته الخاصة التي ميزته عن غيره من الديانات، فهو صاحب التوحيد الأخلاقي قياساً بعصره، وهو الدين التقدميً للشعوب الأكثر تقدماً، رغم أن منبعه كان من المجتمعات الأكثر تخلفاً في وقتها. ولهذا فإن صورة الإسلام راقت لشعوب الشرق ومناطق عدة من أفريقيا، وبهذه الصورة تميز الإسلام كثيراً عن غيره من الديانات.
وقد عمًق الإسلام وضوح الصورة فيما يتعلق بالفهم الذي يمكن أن يدركه الإنسان البسيط في توضيح العقائد. فنظرة الإسلام للسيد المسيح بن مريم عليه السلام كنبيً عظيم وأنه بشر مولود بمعجزة من الخالق العظيم، خلقت ولازالت عمقاً وإدراكاً قرًب الكثير من حاملي الديانة المسيحية اليه، وبها فضًل أصحاب الديانة اليهودية الأسلام عما سواه، وتشير كتب التاريخ، الى أن الكثير من اليهود الذين لم يعتنقوا الإسلام، حاربوا الى جانب الجيوش الإسلامية في ذلك الزمان، لإعتقادهم بعالمية هذه الديانة أولاً، ولرؤيتهم بقربها عن ديانتهم في بعض رؤآها ثانيا.
ورغم نزعة البعض في عالم اليوم الى وصف الإسلام والمسلين بأضداد التقدم والإنفتاح، ورغم وجود من يعين هؤلاء، ممن يدًعون بالعلم بالدين من المسلمين، والمتطرفون من الجهلة بحقيقة الإسلام وجوهره، إلا أن الخلفية الحقيقية برأينا لهذا وذاك، هي أن مسلمي القرن السابع الميلادي، كانوا من التواقين الى التعًلم وإستيعاب العلوم والفلسفات من شعوب المجتمعات التي إحتلوها، ومن علوم الذين سبقوهم من الحضارات القديمة ( وهذا ما ساعدهم على التقدم بسهولة ويسر )، وقد ساعدهم في ذلك، أبناء الشعوب التي إحلتوها والذين إعتنقوا الإسلام.
وليس هذا فحسب بل أن المعتنقين الجدد أرادوا دمج عادات وتقاليد وثقافات بلدانهم مع تقاليد وعادات القادم الجديد "العربي". وقد نتج عن هذا المزج بروز أجمل ثقافة في ذلك الزمان، فكانت فريدة ومتميزة في فنها وعلمها وعمارتها وجامعاتها وثقافتها وفلسفتها. فالإسلام أظهر أنه دين التقدم والحضارة والإنفتاح والتعامل مع الآخر "بروح بعيدة عما يمثله أضداد الدين فيما مضى أو في عالم اليوم". ورغم كل أحداث القدر فمعتنقوا الإسلام اليوم لاتغيب من فوق رؤسهم شمس، ولهم من حق العيش كما للآخرين ( تحت مظلة القانون والعدل والحرية والطمأنينة والإحترام ). بعيدا عن لغات الترهيب والتنكيل والتشويه والقتل بشقية لكل بريء وما شابه، فهذه لغات متطابقة في نتائجها، رغم إختلاف وسائلها ومبرراتها، ولو دقق بها أصحابها لوجدوا أنهم آثمون بما يفعلون.

الخميس، 22 يناير 2009

الساقطون غاضبون على لفظ الجلالة وعلى دين مجتمعاتهم.



الدكتور أحمد الجُبير
استاذ مشارك / كلية القانون
جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا

إن غضب النفس على النفس ، هو الذي يدفع الفرد الى عدم التمييز (نتيجة لأسباب وعوامل مختلفة ) بين عدم الإحترام للذات وبين تجريح مشاعر الناس بلا مقابل . وإن من أسباب العهر عند النساء هو :
أنه يمثل ردة فعل لتربية قاسية أو سيئة من لدن أولياء الأمور ، أو للكسب السريع على حساب كل القيم والأخلاق العائلية والمجتمعية.
وكلنا يعلم ، بأن من يسقط في الهاوية ، لا سبيل الى إنقاذه إلا بمعجزة، والساقط بهذا المعنى لايفكر إلا بقصر نظر، ذلك بأن نهايته ليست ببعيدة، وتمثل تلك اللحظة ( مدى قرب إرتطامه بالأرض ) ، نهاية طبيعته الأنسانية.
فالساقطون هم أقرب للفراغ منهم للإنتماء لأي جنس بشري يحمل مشاعر إنسانية وعقائد ربانية، فالفرد الذي ( يطعن بكل الخوف الذي لديه ) قيم ودلالات ومشاعر بني جنسه يكون فاقد الأحساس بأهداف البشر النبيلة ، ولا يحمل في تفكيره الضيق سوى رؤى لاتبعد عن خياله بأنه كاتب يثير إهتمام الآخرين ، وبكل تأكيد أنه لايعلم من أن الذين يساهمون في الثناء عليه وعلى ما يكتب، هم ذات الأفراد الذين يملكون نفس القدر من الكراهية لذواتهم ولمجتمعاتهم .
والجميع يعلم بأن المجتمعات بمختلف أشكالها ، تضم في ثناياها مثل هذه الفئآت التي لاتغني عن جوع ولاتمتل أي رمزية لأبنائها . هذه الفئات العقيمة في إنسانيتها، عديمة الإحساس بمشاعر الناس ، كما إنها عاجزة عن أن تؤدي أي دور يخدم الأنسان مهما كان وفي أي مكان أو زمان كان ،
وهذا يعني : إن مثل هؤلاء ( الساقطون ) ومهما تفننوا في إيذاء الآخر فإن إيذائهم لايتعدى كونه آلام الذات تصاغ بطريقة إيلام الآخر .
( الدين النصيحة ) ورغم أن الساقطون لايؤمنون بالنصيحة ، إلا إنني أدعوهم ( كون إننا نرتبط برباط الإنسانية ) ،الى مراجعة المختصون ( الأطباء النفسانيون ) لمعالجة النقص في أنفسهم ، إذ ليس من العيب ، أن تتخلص العاهرة من عهرها ، وأن تدخل عالم طمأنينة النفس البشرية التي جبلت عليها طبائع البشر. وليكن الإنسان إنساناً دون شذوذ أو خروج ، ( أعني الخروج عن الرأي ليس بالضرورة بالرأي الصحيح ، ولكن بما يمكن أن يكون عقلانياً ) ، حينها يكون الإنسان قادراً على نشر إسمه الصريح وصورتة أمام الملأ دون خوف أو تردد ،
وندعوا هذه الفئات التي تعيش بالظلام والتيه ، أن تعيش على حب الآخر، والتقدير للذات البشرية التي تميزت عما سواها من الكائنات على هذه الأرض بالعقل والعلم والمعرفة، وأن تقدم بما ينفع النفس والناس.
وليعلم الساقطون أن الهدم أسهل بكثير من البناء ،
فهل أن الهدم هو أسمى أهداف الساقطون؟.