السبت، 27 أبريل 2013

مسؤولية الدولة في التكوين الطائفي والموقف من الطائفية>



 الدكتور أحمد الجُبير
أستاذ مشارك
كلية القانون. 
جامعة العين للعلوم والتكنولوجيا.
من خلال المتابعة التاريخية لواقع الأنظمة السياسية في العالم العربي، نرى إنها لا تتمتع بالقدر الكافي من المواصفات اللازمة إذا ما قيست بمقاييس الديمقراطية على طريقة الأنظمة الغربية، إذ أن الصفة الغالبة لهذه الأنظمة هي إنها نظم فردية، وتتسم بالتسلطية على جميع نواحي الحياة في مجتمعاتها. وتمتد جذور التسلط السياسي في هذه المجتمعات منذ عصور بعيدة إذ " ظل الحكم الفردي المستبد سائداً في الدولة العربية منذ القرن الهجري الأول وحتى سقوط الخلافة في العقد الثاني من القرن العشرين، لأن العرب والمسلمين لم يتوصلوا إلى آلية للتداول السلمي للسلطة".
ليس هذا فحسب بل ظهرت مع تلك العلاقة بالذات في حقب مختلفة فكرة "تأليه الحاكم"، والحاكم المعصوم (فيما بعد). صاحب السلطة المطلقة الذي لا يخطئ أبدا. ويمكن أن تكون أشكال التسلط مختلفة باختلاف العصور ولكن المبدأ في التعامل يبقى كما هو. فالدولة تملك موارد البلد، "والأسرة الحاكمة تملك الدولة"
ونشير إلى أن العالم العربي تمتع بقدر من التغيير السياسي الذي حصل في بداية القرن الماضي وأستمر بشكل أو بآخر، إذ أنشأت البرلمانات وأقرت الأحزاب السياسية وتمتعت الصحافة بقدر من الحرية، ولكن التطور الحقيقي على جوهر تبادلية السلطة لم يتم سوى عن طريق القوة (الثورة العسكرية). والغريب هو أن الصفة الغالبة في أنظمة الحكم الجديدة لم تختلف في الحقيقة عما سلفها في تبنيها لوسائل العنف والاضطهاد لمواطنيها، مما تسبب ذلك في تعطيل عملية التغيير المنشودة والتي كانت أحد الأسباب الرئيسية التي أوصلت هذه الأنظمة الجديدة للحكم. إن الحالة المأساوية في "تسلط الدولة" و"القيادة المستمرة لنفس الشرائح الاجتماعية" أصبحـت أكثر تعمقا وأصبح بحكم الاستحالة بمكان أن يفكر المرء في التغيير وهذه الحالة دعت الكثير للاعتقاد بأن" التغيير محال" ولا يمكن أن يتم، إلا إذا تم التعاون مع قوى كبرى تساعدهم على ذلك. وهذه الحالة هي نفسها التي أوصلت الكثير من أبناء الأمة المصرية للاعتقاد بأن "نابليون" سيكون محررا لهم من ظلم المماليك. وليس غريبا أن تدعي اليوم شريحة كبيرة من العراقيين في موقع السلطة الحالية ومواليها، بتحرير قوات التحالف لشعبهم مما كان يعانيه زمن النظام السابق. فهي إذن نفس المبررات القديمة الحديثة.
أما النتائج فلا نعتقد بأنها ستكون بأحسن حال مما كانت عليه في غزو واحتلال مصر وفلسطين من قبل نابليون، كما إنها لا تختلف ونتائج الغزو والاحتلال بعد الحرب العالمية الأولى للعالمين العربي والإسلامي وما أتضح بعدها من نهب وتدمير وإذلال للهويه والدين ولإمكانات المجتمعات المادية والروحية. أما الزعم بتطبيق مفاهيم الحرية والديمقراطية والعدالة بعد "التحرير" فهي لا تختلف وإدعاءات نابليون لتحرير المصريين من المماليك وزرع بذور الحضارة والتقدم في أمتهم. كما أنها نفس الوعود التي قدمها الجنرال مود وغيره من قادة الجيوش الغربية حين غزت العالمين العربي والإسلامي بأنهم جاءوا محررين لهذه الشعوب (لا غازين لها ومدمرين لحضاراتها وثقافاتها وتراثها، وناهبين لكل ما يمكن حمله ونقله).
ومنذ تلك العهود ولازالت المجتمعات العربية تعاني سياسات القهر والتنكيل وعدم الاستقرار والعيش ضمن دوائر البؤس والتهميش والإذلال من قبل قياداتها رغم كل عمليات التجميل التي تقوم بها أنظمتها هنا وهناك. وهذا ما يبرر عدم قدرة النظم العربية على اتخاذ قرارات سياسية حاسمة حتى في القضايا المصيرية والتي تهدد بتفتيت الأجزاء المجزئة. كما يبرر عمليات الإجهاض لأي مواجهة حقيقية تحاول مجتمعاتهم الوصول إليها مع الجانب الآخر. وتساعد هذه الحالة إلى حد المشاركة في تنفيذ سياسات العدو سواءً بقصد أو بغير قصد، "بل وتحالف بعضهم الصريح والضمني مع العدو الخارجي ضد إخوتهم وأبناء عمومتهم".
ويزداد الوضع سوءاً عندما تشارك أطراف من هذه القيادات مساهمة فعالة في إشغال الأمة بالفتن الطائفية الدموية، والعمل على تقطيع أوطانهم، ودينهم كما وصفهم الخالق العظيم بقوله"من الذين فرًقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون". وعليه فالنزاعات الطائفية هي النتاج الطبيعي لغياب سوق سياسية حرة وشفافة، والمسئول الرئيسي عن تعزيزها هو: النظام السياسي القائم الذي لا يقوم في الواقع إلا على القوة والعنف والقهر." عليه فالحل لا يتعلق بالجانب الفقهي أو الاختلاف الفكري بمقدار ما هو اختلاف سياسي وما يترتب عليه من سلطة وجاه ومال. ومن أجل تفادي هكذا موقف على الجميع:
1.      الالتزام بالمنطق السليم ودراسة العبر التاريخية التي مرت بها الأمة.
2.      والنظر بتمعن لما مًرت بها تجارب الآخرين.
3.      وتحليل الواقع ضمن اطر غير تقليدية للمجتمع وتبيان الحاجات الضرورية التي تهم الإنسان كإنسان.
4.      وبيان المخاطر التي تمس كيان الأمة المستقبلي.
5.      والتعامل الإيجابي المبني على العدالة الاجتماعية.
6.      وعدم التمييز بين أفراد المجتمع،
7.   ومشاركة الجميع في السلطة وفي ثروة المجتمع ونشاطاته المختلفة وفق أسس دستورية سليمة متفق عليها والابتعاد عن الوسائل السياسية الرخيصة للتشبث والعبث بكل المقدرات (أرواح الناس وممتلكاتها وثروات وأمن المجتمعات).
وبغير ذلك فإننا سنطبق وبأيدينا استراتيجيات وضعت منذ سنوات لتقسيم البلدان العربية المقسمة من قبل أعداء هذه المجتمعات. ونحيل القارئ للإطلاع على ما يفكر فيه الأمريكان وحلفائفهم من تقسيم من خلال مشاهدة خارطة العالم العربي المستقبلية في موقع القوات المسلحة الأمريكية.



ليست هناك تعليقات: