الممكن والمستحيل
في بناء الدولة العراقية المُوًحدة
الدكتور أحمد الجُبير
أستاذ مشارك /كلية القانون
جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا
Ahmad.aljobair@hotmail.com
"أشارت دراسة أجراها الصندوق من أجل السلام بالتعاون مع مجلة الشؤون الخارجية الأميركية، إلى أن العراق أصبح ثاني أفشل دولة في العالم بعد السودان، وأن أوضاعه أسوأ من الصومال"، وفي ذات الوقت إستمر القاده الأمريكيون وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي وقادته العسكريون على التأكيد من أن زيادة القوات الأمريكية والتي تمت مؤخراً لمساندة الخطة الأمنية التي إنطلقت مؤخراً والتي تستهدف تأمين الأمن في بغداد، وبالتالي فأن هذه القوات مخصصة لمساعدة القادة السياسين في العراق ولتحقيق ماتطمح اليه القيادة الأمريكية في التسوية السياسية ( المصالحة الوطنية ) لتضم الأطراف ذات العلاقة في الصراع الدائر حاليا حول السلطة ومايتبعها من مصالح.
ولكن "هذه المعادلة (المصالحة الوطنية) لا يمكن ان تتم في اطار نظام المحاصصة الطائفية والعرقية المطًبق في العراق الآن. لان هذا النظام يقسم الناس على اساس انتماءاتهم العرقية والطائفية وعلى اساس ولاءاتهم الحزبية والسياسية والعشائرية وغيرها".
وقد برهنت السنوات الماضية على أن نظام المحاصصة غير قادر على إصلاح قدرة الحكومة في العطاء بصورة عامة، وغير قادر على بناء دولة "حديثة بصورة خاصة"، وبالتالي فإن هذا النظام أظهر عجز الدولة الواضح في البناء والتقدم. وقد إتهمت أطراف مختلفة الأداء الحكومي الذي يكبله نظام المحاصصة بسوء الإدارة، فقد "انتقد المرشد الروحي لحزب الفضيلة الإسلامي الشيخ محمد اليعقوبي موقف الحكومة إذ وصف أعضاء حكومة المالكي بالعجزة والمشلولين، متهما إياهم بإنتهاك حقوق الانسان، والتغاضي عن معاناة العراقيين، والفشل في التصدي للملفات الخطرة على الصعيدين ألامني والسياسي". وفي السياق ذاته فإن الإدارة الأمريكية لم تتوانى عن كيل الإتهامات لحكومة المالكي بالتقصير رغم معرفتها بما يحصل بالداخل الحكومي والذي نسجتة هي بنفسها وبتلك الحشاشة.
كما أكدت تقارير صحيفة في الواشنطن بوست الأمريكيه:" بإن هناك قوتين تقفان خلف هذا التدهور، الأولى هي الانقسامات الداخلية التي أدت إلى تغلغل الميليشيات والجماعات المسلحة بشكل لم تعد لا القوات الأميركية ولا العراقية قادرة على السيطرة عليه، والثاني هو تدخل القوى الخارجية في الشأن العراقي الداخلي". وهوالوضع الذي يساعد على عملية تقسيم العراق. وبنفس الإتجاه نقلت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية "عن بولين بيكر رئيسة صندوق السلام قولها إن التقرير (المذكور أعلاه) يُبيًن الغرق السريع للعراق ووصوله إلى نقطة اللاعودة، كما أشارت الى أن الصندوق أوصى بناء على دراسات دورية تُجرى كل ستة أشهر منذ عام 2003، ضرورة أن تواجه الإدارة الأميركية الحقيقة التي تقول، إن الخيارات الوحيدة الباقية أمامها هي كيف وبأي درجة من العنف سوف ينقسم العراق".
هذه الصوره هي التعديل الأكثر تقارباً من تقرير بيكر– هاملتون الذي وصف الوضع في العراق بأنه خطير وآخذ في التفاقم وأكّـد أنه لا توجد وصفَـة سحريّـة لحلّ مُـشكلات العراق، "وأنه بينما لا يُـمكن لأحد أن يضمَـن لأي نهج للتحرّك في العراق حاليا أن ينجح في وقف الاقتتال الطائفي أو العُـنف المتصاعد أو الانزِلاق إلى هاوية الفوضى، فإن النّـهج الحالي غير مُـجدٍ، فيما تتقلّـص قُـدرة الولايات المتحدة على التأثير في الأحداث". فإذا أخذنا بالأعتبار التصًورات التي تطرحها التقارير الصحفية عن مسؤولين أمريكان وغيرهم والتي توحي بقرب إنسحاب القوات الأمريكية في الربيع المقبل عام 2008، ( إنظر عزيزي القاريء آخر تقرير في آي بي أسوسيتيد ﭙريس للكاتب بولين جَلينيك بتاريخ 23.06.2007.) ولو جمعنا أطراف المعادلة بذوي العلاقة، نتقرب من وضوح الصورة، والتي تشير الى عدم القدرة المستمرة للحكومة على تأمين الأمن والخدمات وغيرها من الأمور، رغم الدعم العسكري الأمريكي الأخير( إذ تسيطر الدولة على40% فقط من بغداد في حين أن الفئآت المسلحة المختلفة تسيطر على 60% من مناطق العاصمة المختلفة حسب ما أوردتة بعض التقارير الصحفية ناهيك عن الأداء غير السليم لمرافق الدولة المختلفة والمبنية على أساس الولاءات الحزبية والطائفية)، مما يوحي بالتطبيق الأمريكي العملي لتقرير بيكرـ هاملتون رغم رفض الأدارة الأمريكية المعروف للتقرير المذكور، والأخذ بما تدعوا اليه التقارير الأمريكية الداعية الى البحث عن درجة العنف التي يترتب عليها تقسيم العراق، ونلخص القول "بأن ماهو آتي لايدعوا الى بناء الدولة العراقية الموحدة بقدر ماهو دعوة للخروج وفق ما تدعوا اليه حسابات الربح والخسارة للقيادة الأمريكية وحلفائها".
أما الشق الثاني للمعادلة فيتمثل بتحقيق التسوية السياسية والمبني على أساس التعاون والعمل المشترك من اجل اقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة. وهذا يتطلب من الجميع الأمور التالية : التخلي عن نظام المحاصصةً، وتعديل الدستور، وتفكيك التكتلات الطائفية والعرقية من جانب، ، أما من الجانب الثاني، فلابد من إعتماد معايير عامة لبناء الدولة الحديثة،" والتي تم تجاهل معظمها منذ بداية الإحتلال، بسبب اعتماد نظام المحاصصة والذي زرعه الأخير قصد السيطرة الدائمة "، ومن هذه المعايير بطبيعة الحال معيار المواطنة، والكفاءة عند إشغال المواقع القيادية في الدولة ، وسيادة حكم القانون، والمؤسسات الدستورية، والشفافية والنزاهة وما الى ذلك من المعايير. غير أن هذا الحل لا يتوافق والاطراف الفاعلة في العراق اليوم. كما ويصعب تطبيقه على تنظيم القاعدة والجماعات المتعاونة معها، "لأن الخلاف مع هذا التنظيم والجماعات المرتبطة به ليس سياسيا وانما هو خلاف إستراتيجي . فهذه المجاميع تخوض معركة بقاء او موت مع القوات الاميركية والحكومية، فهذه الجماعات تصف الأخيرة بانها قوات عميلة ومرتدة. وبذا فلا أمل ولامعنى في التوصل الى تسوية أو مصالحة سياسية مع هذه المجاميع، وبالتالي فان الحل الوحيد لهذه المشكلة هو الحل الامني، أي مواصلة خوض المعركة العسكرية معهم، حتى تتم تصفية وجودهم العسكري وكسر إرادتهم السياسية. "وقد تجلى ذلك بما تقوم به القوات الأمريكية والعراقية اليوم من هجوم واسع النطاق على هذه المجاميع في محافظة ديالى".
أما الشوكة الأخرى في الطريق السياسي المنشود، فهي المليشيات المختلفة الألوان والأطياف، والتي أصبح نزع سلاحها والقضاء عليها أمراً في غاية الصعوبة في الوقت الحاضر على الأقل. عليه فإن أرضية المصالحة الوطنية ستكون مقتصرةً في هذه الحالة، على الأحزاب المشاركة في العملية السياسية الحالية، والتي بها وحدها لايمكن أن تتكًون قاعدة صلبة لبناء دولة حديثة مالم تضع بين جناحيها العناصر المناوئة لسلطتها الحالية، وهو أمر ليس بالهين التعامل معة، "بسبب سعي هذه الأحزاب الى النفوذ والهيمنة اكثر من حرصها على التسوية السياسية". أما في حال تبني جميع هذه الأطراف والأطراف التي ستشارك معها بفكرة التخلي عن هذه الممارسات والعمل على:
* القبول بشروط مباديء التعايش وفق نظرة إستراتيجية،
* التخلي عن ضيق الأفق ضمن الدوائر الصغيرة،
* الإبتعاد عن التخوف من الحلول العقلانيه،
* والألتزام بالأساسيات التي تقام عليها الدول،
قد تساهم جمع هذه الإطر، في خلق بصيص من الأمل في قيام الدولة العراقية الموحدة، وهو أمل ينشده الكثيرمن أبناء هذا الوطن المعًذب وتقع مسؤولية تنفيذه على القادرين على التنفيذ. وبعكسه فالأنتصار سيكون حليف الطرف الآخر، مما سيخلق مأساة جديدة قد يضيفها التاريخ لمآسي أبناء هذا الوطن المتعددة.