السبت، 18 أكتوبر 2008

ما الذي يخيف العرب من حوار الشمال والجنوب المتوسطي


ما الذي يخيف العرب

من حوار الشمال والجنوب المتوسطي

الدكتور أحمد الجُبير

استاذ مشارك. كلية القانون . شبكة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا

Ahmad.aljobair@hotmail.com


يرى البعض أن الخطوة الأوربية للتقارب مع البلدان العربية في شمال أفريقيا فكرة حديثة العهد ، القصد منها هو المساعدة على تسهيل تعامل إسرائيل مع البلدان المذكورة ، مقابل حصول بلدان شمال أفريقيا المذكورة على تسهيلات وإتفاقات تعاون مثمر بين الشمال والجنوب المتوسطي .

لكننا نرى أن النضج الحالي لهذه الفكرة ليس وليد اليوم وإنما يعود بجذوره الى ثمانينات القرن الماضي وفي فرنسا على وجه التحديد. إذ في حينها قدم حزب الجبهة الوطنية ( حزب اليمين المتطرف الفرنسي والذي يرأسة السيد جان ماري لوبين (Jean Mari Le PAIN ) مشروعا سياسياً ، في مؤتمره الفرعي في مدينة مونتبلييه الفرنسية ، آنذاك والذي كان بإشراف البروفسور جان كلود مارتينيز

Mr ``le Professeur Jean Claud MARTINEZ `` ( وقد حضرت المؤتمر الذي أقيم في بلدية مدينة مونتبلييه بناءاً على الدعوة التي وجهت ليً شخصياً من قبل السيد رئيس المؤتمر ، وقد حضر المؤتمر أيضاً زميل لي من أصل سوري، وبناءاً على دعوة مشابهة ، وكان سبب دعوتنا هو أن البروفسور مارتينيز( رئيس المؤتمر وقتها ) كان إستاذنا المشرف في الدراسات العليا )الدكتوراه في العلوم السياسية ) ، وهو الذي أراد حضورنا في المؤتمر المذكور.

وقد طرح المشروع في المؤتمر بصيغة أن أوربا (بشكلها العام) ينقصها العمق الأستراتيجي مقارنة مع العمق الأستراتيجي لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والأتحاد السوفيتي في حينها ، وكانت الحلول التي طرحت في ذلك الوقت ، مبنية على أن القارة الأفريقية هي العمق الأستراتيجي لأوربا فهي الأرض وهي السكان وهي الموارد، كما إن هذه القارة، تدين بالتقارب السياسي والأقتصادي والثقافي الى أوربا، إذن فهي النواة للعمق المنشود وعلينا ( الفرنسيون في ذلك الوقت ) العمل ليصبح هذا الأمر واقعاً ملموساً .

هذه كانت الفكرة الأم التي إنطلقت ولم تخمد . ورغم أنني تَعًرفت على هذه الفكرة عند اليمين الفرنسي المتطرف ( والذي لايكن الكثير من المودة للعرب والأفارقة على وجه الخصوص )، إلا أنني على يقين من أن الفكرة المذكورة قد نوقشت على أكثر من صعيد وبمختلف الإتجاهات . وعليه فإن الطرح الحالي ليس هو إلا طرحاً جزئياً من الفكرة الأم وبالشكل الذي يتلائم والظروف الحالية.

وحصيلة الطرح المشار اليه هو ماتم طرحه في مؤتمر مدينة فاس المغربية، والذي تم الإعداد له بفترة ليست بالقصيرة مع الأطراف المعنية، وذلك من خلال الزيارات المكوكية والمحادثات السرية والمساومات السياسية لبعض المواقف، والتي حددت بالنتيجة الخطوط العريضة للإتفاق على ما تم طرحه في المؤتمر المذكور، رغم وجود بعض الأصوات التي تعلو وتنخفض بين الدهشة والإستغراب والتساؤل لما يمكن أن يكون ، وماسينتج عنه لاحقاً .

وليس تجنياً القول ( وهو رأي شخصي مبني على الملاحظة ) بأن أطرافاً عربية مختلفة قد تبنت الأفكار المطروحة ، ولكنها لاتريد أن تظهر بمظهر الموافق عليها، بل إنها تنتظر اللحظة المناسبة ، ولحين مايستجد ما يبرر القبول للإعلان عما كان مقرراً ولننتظر عما سينكشف عما قريب . وما مؤتمر باريس الحالي إلا تعزيزاً لما سنطرحه في هذا المقال التحليلي لعلاقة الشمال الأوربي بالجنوب المتوسطي.

والسؤال الذي يطرح اليوم هو : هل في الموضوع مايخيف العرب ؟ والجواب هو ، بإعتقادنا ، إن الحلقة الأضعف في القارة الأفريقية ، هي بلدان شمال القارة الأفريقية (البلدان العربية) ، لأسباب مختلفة، منها ما هو سياسي ومنها ما إقتصادي ـ إجتماعي .. ناهيك عن الإستهداف الخارجي والداخلي .. والمتمثل في الحركات المتطرفة ، وعداء الأنظمة العربية لبعضها البعض ، وما تقوم به الدول الكبرى من إستهداف لكل ما هو عربي وإسلامي .. يضاف لكل هذا ، سمة عدم وجود رؤية إستراتيجية موحدة للعالم العربي. هذه الأسباب وغيرها أدت بالنتيجة ( الى عدم الإستقرار السياسي والأمني في المنطقة عموماً )، والذي إنعكس بدوره على الأنظمة السياسية في البلدان المشار اليها مما أدى الى زعزعتها ، وأصابة البعض منها باليأس والأحباط.

وعليه فأن الوقت الذي تعيشه الأنظمة المشار اليها هو بالذات، الذي تنظره بلدان أوربا الغربية، والتي لديها برنامجها السياسي الجاهز لأفريقيا كاملة، ولابأس لديهم (الغرب)من البدء في هذا المكان والذي يمثل (الحلقة الأضعف)، مما سيخلق الأساس والخطوة الأولى على جر الآخرين لنفس الحلبة المعدة سلفاً.

ليس هذا فحسب، وأنما هو ذات الوقت الذي تنتظره الأنظمة المرتبكة والمحبطة والتي تنتظر لمن يمد يد العون والمساعدة لها، لإنقاذها وليعطيها دفعة جديدة للإستمرار على المنوال القديم / الجديد في التعامل مع الداخل . ولاضير في أن يختلف هذا التعامل مع الغرب ، والذي سيسمح له بأكثر مما هو متعارف عليه . ومن هناك ستبدأ الكارثة الجديدة لهذه الأمة والتي لاتنقصها الكوارث.

إذ وبإعتقادنا بأن هذه الأنظمة ستتكبل بإتفاقيات هي الطرف الأضعف فيها ، ولن يطول الوقت بعدها لتجد نفسها، وقد رضخت وبإرادتها على قبول شروط الطرف الأقوى ، ( كما هو حال أغلب البلدان النامية التي ترضخ لما يطلبه منها صندوق النقد الدولي شريطة لإستمراره في دعمها ) وسيكون مصيرها مجهولاً .

بعدها ، ستجد هذه الأنظمة نفسها مقيدة وقد قيدت في ذات الوقت (والى أمد طويل) شعوبها بإتفاقات قانونية تبيح للطرف القوي تنفيذ مايريد تنفيذه ، وهذا هو الهدف الأسمى لإتفاقيات الشمال والجنوب المتوسطي .

فعلينا أن لانضيع في الجزئيات. وأن لانرضخ للجزره التي تقدم الينا اليوم، لإننا نعلم بأن العصا ستكون لمن عصى ،وأيً عصا !!! وإلا سيكون الأوان قد فات... ولنبدأ من النهاية التي توصل اليها مؤتمر باريس :

حيث الأتفاق المباشر مع سوريا لتنفيذ ما يجب عليها أن تعمل، ( وقد نفذت حتى هذه اللحظة ما كان مستحيلاً بالأمس )، والأتفاق مع الشمال الأفريقي بشأن الهجرة والتنمية ،

الحراك المحسوس للتواجد الأسرائيلي وأتصالاته بأطراف معلومة وغير معلومة،

وممارسة الضغط على الأطراف التي لها وجهات نظر مغايرة.

وإدخال المانيا بقوة في اإتفاقات الشمال والجنوب رغم عدم فاعليتها مع أطراف الحوار المعنية.

فالذي يخيف العرب كما يتضح هو ليس التطبيع مع إسرائيل فحسب ،

وإنما هو الوضع السياسي العام ، والوضع الإقتصادي العام ،

سيكون اللبنة الأولى لإعادة بناء إتفاقيات سايكس ـ بيكو المشهورة . وخير مثال يمكن تقديمه اليوم ، هي معاملة الغرب للسودان ، والرؤية الأمريكية لإدارة المنطقة .

فعلى العرب رغم تأخر الوقت إعادة تنظيم أنفسهم وفق رؤى إستراتيجية بعيدة المدى،

وبغيرها فما عليهم سوى القبول بما سيفرض عليهم ، وسيكون حال الجميع كما هو حال العراق اليوم ، إن لم يكن أكثر سوءاً .

ليست هناك تعليقات: