الأربعاء، 1 أكتوبر 2008

رؤية مستقبلية لدولة الصراع السياسي في العراق




الدكتور أحمد الجُبير
إستاذ مشارك. كلية القانون .
جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا.

نشر المقال في الحوار المتمدن - العدد: 1917 - 2007 / 5 / 16 .

ربما سينبئنا المستقبل القريب بأحداث غير مقروءة في الوقت الحاضر، وسيظهر لنا بشكل عجيب عدم القدرة على الضبط المجتًمعي وبالتالي لتكوين الدولة ضمن الأطار القانوني، إذ أن أركان الدولة كما هو معروف تتكون من: الشعب، ووحدة التراب، والهيئة الحاكمة. ويرى بعض فقهاء القانون بأن هناك ركن آخر وهو الإعتراف الدولي.
فلو ناقشنا هذه الأركان في ظل الوضع الحالي في العراق، فأول مايصادفنا هو "عدم وحدة الشعب" والفضل في في ذلك يعود بالطبع للأحتلال والنظام الحالي المؤيد له. إذ أحُلت مصطلحات مثل (الشيعة والسنة) والعرب والأكراد، والقوميات المختلفة في العراق ..الخ. وهي مصطلحات تعويضية عن كلمة الشعب العراقي. والمراد من ذلك هو إذابة كلمة الشعب، لنفقد أول ركن من أركان الدولة القائمة.
أما الركن الآخر للدوله فهو الأقليم، وهنا وبعد أن كان العراق إقليماً موحداً، أصبح الآن يطل علينا بثلاثه أقاليم أو أكثر ذات إسقلالية قد تفقد العلاقة في المركز في حال إنسحاب الإحتلال (وهي رؤية قريبة جداَ، خصوصا للذين يقراءون الوضع الأمريكي الداخلي جيداً)، وحال تنفيذ ذلك، فأن نبوءة تنفيذ ذلك تصبح واقع حال، إذ أن المبررات ومقدماتها موجودة أصلاً في ساحة الصراع السياسي الحالي في العراق.
أما العنصر الآخر لكيان دولة العراق فهو الهيئة الحاكمة. ويرى علماء القانون الدستوري أن ( الهيئة الحاكمة إما أن تكون وطنية أي لها جنسية الأفراد الخاضعين لها ولاتخضع هي لأي سلطة أجنبية إخرى وفي هذه الحالة تكون الدولة أو الجماعة السياسية مستقلة سيدة نفسها، وأما أن تكون الهيئة الحاكمة أجنبية أو خاضعة لسلطة أجنبية وحينئذ يكون إستقلال الجماعة السياسية ناقصاً " حالة الدول المحمية أو التابعة أو الخاضعة لأنتداب " أو معدوماً تماماً فلا يكون هناك دولة بل مستعمرة (COLONIE) ولهذا كله أثره في الحياة الدستورية للجماعة). بمعنى أنه لا يكفي لنشوء الدولة ما لم تقوم (من بين أفراده) حكومة تباشر السلطات بأسم الدولة. والجميع يعلم بأن الحكومة العراقية الحالية لاتحكم جيدا سوى في المنطقه الخضراء (كما صرح أحد أعضاء البرلمان الحالي)، أما خارج هذه المنطقة فوجود الحكومة بين أخذ ورد، فهي مجودة في حال وجود الأمريكان، وغير موجودة في حال إختفاء الأمريكان وغطاءهم الجوي. أي إن الهيئة الحاكمه في العراق لاتحكم كل أطياف الشعب العراقي. أو بمعنى أصح، (الشعب العراقي بكل أطيافة لايخضع للسلطة المركزية في بغداد) وبالتالي فإن هذا الركن يفقد شرعيته في تكوين الدولة أيضاً. ولانريد التحدث في مقالنا هذاعن موضوع الأعتراف الدولي لوجود هذا الأعتراف بالدولة العراقية قبل الأحتلال، ولكنه سيكون محل استفهام حال إنسحاب المحتل وظهور اللا دولة !.
أما رؤية الصراع فلم يعد خافياً على أحد من أن هناك أطراف مختلفة، داخلية وخارجية تعمل وبشكل حثيث لتلتقي ويالعجب المصادفة !، بالمخطط الصهيوني لتقطيع العراق( إنظر عزيزي القاريء مقالنا المنشور تحت عنوان "الإحتلال يحًرض على الطائفيه في العراق" في نفس الموقع بتاريخ 10.05.2007) ولكل حسب إمكاناته وقدرته على الفعل، وليس هناك للأسف إلا القليل الذي لايتفق وهذا المنطق. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ماحجم الصراع المُقبل وما هي قدرتهُ على تدمير الدولة الواحدة؟
نحن نعتقد (لاقدًر الله ذلك)، بأنه سيكون صراعا دموياً بكل المقاييس وسيدفع المدنيون الأبرياء أضعاف مادفعوه حتى الآن من الأنفس والأموال ومن الحرث والضًرع. وصيرورة الصراع لاينفرد بها أحد دون آخر، بل أنه سيمتد ليشمل كل بقعة من أرض الوطن، وسيتحمل وزرَ ذلك كل من حَمَل ديناً أو إنتمى الى طائفةً أو تحًزب الى عرق. وقد لايكون ذلك كافياً وإنما سيقاتل الأخ أخيه حتى في الدين الواحد أو الطائفة الواحدة أو العرق الواحد. بمعنى أن الصراع سيكون صراعاً دينيا وطائفياً وعرقياً مع الذات ومع الغير. وسيكون الجميع في موقع الخسارة، وأكبر خسارة هي الوطن ذاته.
وستعمل الجهات ذات المصالح بتمويل حرب "الأخوة الأعداء" أو" حرب الإبادة" بكل غال ورخيص. فهي مرةً ستكون هنا، ومرةًهناك، وسيبقى هدفها واحد! وهو تقطيع المُقًطع والسيطرة على كل ما يملك الضعفاء ( مادام جميع الفرقاء بحاجة الى المساعدة للقضاء على الطرف الآخر). فالأحتلال دمًر كيان الدولة القائمة، وحطم الشعب وأذًلهُ بالقتل والسجون والتعذيب والمطاردة اليومية، ونهّبَ الممتلكات، وزرع الفتنة، وحًولَ البلد الى ساحة صراع دولي للإرهاب والجريمه. كما أصبح العراق بعد أن كان خالياً من المخدرات "أكبر سوق مروج لها " في المنطقه والفضل يعود للإحتلال وأعوانه.
ليس هذا فحسب، بل أن رحليهم عن هذا البلد لا يمكن أن يتم إلا بعد ينجزوا مهمتهم كاملةً كما يؤكد الرئيس بوش مراراً وتكراراً. فما هي المهمة القادمة ياترى؟ هل هي لنشر الديمقراطية والعدالة والمساواة والبناء؟ والجواب يعرفه الجميع، إذ أن كل ماقيل عن مبررات غزو العراق كان كاذبا، ويستحق عليه أصحابه المحاسبة لو كان هناك عدل في العالم، ولكن من له القدرة على محاسبة المخطيء(القوي).( فالحق دائماً مع الأقوى كما يرون). إذن ومن قراءة لايراها الكثير فإن المهمة القادمة بإعتقادنا تتركز على مايلي :
ـ أن لايكون البلد واحداً موحداً يحتوي على عناصر القوة التي تهددهم كما يًدعون.
ـ ينشغل العراقيون بالتقاتل الداخلي لتسهل عملية الإنسحاب السريع دون خسائر كبيرة.
ـ دعم كامل للموالين والكيانات الجديدة وبمساعدة الأصدقاء طبعاً ( لاحظ عزيزي القاريْ التحركات الحثيثة لوزيرة الخارجية الأمريكية، ونائب الرئيس الأمريكي، والمبعوثون من كل صنف ولون الى المنطقة لتدعيم هذه الرؤى وشراء الولاءات في المنطقة ).
( وإنظر أخي الكريم الى التقرير الذي نشرتة جريدة الصنداي تايمز البريطانية الصادرة يوم (الأحد) 13.05.2007 والذي يشير الى القلق الأمريكي من سيطرة تنظيم القاعدة على المناطق التي ستصبح (دولة العراق الإسلامية) والتي ستضم محافظات بغداد والأنبار وديالى وصلاح الدين ونينوى وجزءاً من محافة بابل. ويؤكد التقرير الذي تقول الجريدة على أنه من تحليل جهاز المخابرات الأمريكي( intelligence agencies) بأن تنظيم االقاعدة في طريقه الى أن يجعل من هذه المناطق قاعدة صلبة له في الشرق الأوسط وسيعمل على إستقرارها، اذا تم تنفيذ الفدرالية بعد انسحاب القوات الأميركية. وتنقل الصحيفة على أن "زيارة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني الى السعودية لها علاقة بأوضاع المناطق السنية في العراق والتهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة هناك".( حسب قول الصحيفة )
ـ وحينما يتحول البلد الى كيانات صغيرة لاقيمة لها، تسًهل عليهم مهمة السيطرة عليها وعلى منابع النفط، ويكونوا قد حققوا ما كان مطلوبا من قبل، وهو إستراتيجية التقطيع والهيمنة.
وبأعتقادنا فأن هناك العديد من الموالين من يعًد العًده ليوم النصر (يوم الغدر)، ومعهم الكثير من الجهلة الذين لايفكرون إلا بالذي سيحوزون عليه (فيما لو قتل الإنسان أخيه) ونسوا التفكير في قصة أبناء آدم حينما قتل الأخ أخيه.
ورؤآنا تستمد حقيقتها من مشاهدة شبكة العلاقات المليئة بالسوء (الداخلية ـ الداخلية)، ومن (إرتباطات الداخل بمراكز القوى والمصالح الخارجية والمتمثلة ببلدان الشر والاحتلال)، ناهيك عن مقدار الفعل التخريبي الخارجي مضافاً له التدمير بأيدي داخلية مستمده قواها من الداخل والخارج.
ليس هذا فحسب وأنما هناك إستعدادات (الجوار الإقليمي) للحظة الحسم ( يوم السبت الموافق، 12.05.2007 نشرت تركيا عشرون الفاً من مقاتليها على الحدود العراقية التركية كما أشارت وسائل الإعلام العالمية)، إذ أن المحتًضر (دولة العراق) له من الأرث الكثير وللجوار حق الأرث في الميراث، مادام الورثة (أبناء العراق) منحازون طوعاً لهذا وذاك، وما دام أبناء هذا البلد لاهم لهم سوى الصراع والتقاتل فيما بينهم دون الرغبة للوصول الى بر الأمان، فمن حق الأطراف التي تدعًمهم الحصول على أكبر قطعة يمكن قطعها من بلدهم ( العراق).
أما مصير هذه الأقوام في ظل الواقع الجديد الذي سيصنعوه بإيديهم فلا يتعدى أكثر من أنهم سيكونوا مستعبدين، وفاقديً الخيرات وسيعيشون"مواطنون" ولكن من الدرجة الثانية، كما هو حال (أرض الأسكندرونة وأهلها، وأرض الأهواز وأهلها، وأرض سبتة ومليليه وأهلها).
وقد يقول البعض بأن هذه الروءى سوداوية أو تشائمية، ولكنك عزيزي القاريء حين ترصد تصريحات المسؤولين الأمريكان ككونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية أو ديك شيني نائب الرئيس الأمريكي، أو حتى تحركات وإصرار الديقراطيين بإنسحاب أمريكا من العراق ، فأنك لامحالة ترى في الأفق شيئاً غير مألوفاً.
ولو أنك أخي الكريم إستبعدت الإشارات المخيفة بخصوص الخطر على دول الجوار من إنتشار الأرهاب كما يدًعون (وهي إشارات لاتحمل قدراً كبيراً من الصحة، إذ أن دول الجوار كإيران وتركيا وغيرها من دول الجوار تقًدر الخطر حق قدره، ولها من الخيوط مايبعد الخطر عنها لامحاله) والمقصود بالخطر الذي تروج له الولايات المتحدة الأمريكية هو الخطر على دول الخليج. أو بالأصح على مصالحها في منطقة الخليج.
ولهذه الأشارات أسباب أمريكية داخليه يتعلق جزء منها بموضوع حرب العراق الحالية وموقف الرئيس الأمريكي من العراق والمنطقة. أم الجزء الآخر فهو لأسباب خارجيه تتعلق بصيرورة الأمبراطورية التي يطالب بها صقور الولايات المتحدة الأمريكية كونها القوة الأعظم في عالم اليوم، ومايترتب على ذلك من إعادة هيكلة العالم ( العالم العربي بشكل خاص) والسيطرة على الموارد ( العربيه والمتمثله بالنفط بالدرجه الأساس) والتي تخدم الهدف الأستراتيجي الأساس، إضافة الى ضمان أمن وسلامة إسرائيل وتدعيم دورها ليكون فاعلاً في الشرق الأوسط مما يسهل عليها تحقيق أهدافها الإستراتيجية. وعليه لابد من نشر سياسة الخوف المستمر.
وبهذا فإننا ننبه الى ما أشرنا اليه وندعوا الجميع ( لمن لهم إحساس بحب وطنهم ) لرؤى حقيقيه تبني بلداً وأمةً ضمن حدود القطر الموًحد. ومن لايرى في الأفق غير الذي يُرى، فسيسارعه اليوم الذي تهًتز به فصائله، دون أن يَعلم أين باب الخروج من جحيم كان قد غفل عنه حيناً من الزمن. ويوم لاينفع الندم.

ليست هناك تعليقات: