الأربعاء، 1 أكتوبر 2008

الإنسحاب بات وشيكاً وماذا بعد ؟.


الدكتور أحمد الجُبير

أستاذ مشارك . كلية القانون

جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا

ahmad.aljobair@hotmail.com
منشور في الحوار المتمدن - العدد: 1925 - 2007 / 5 / 24


من قراءة بسيطة للأحداث المتسارعة في العراق، ولما يَدور في اروقة الإدارات ومراكز البحث الأمريكية ، وللضغوط المستمرة التي يمارسها الديموقراطيون ذوي الأغلبية في السلطة التشريعية ، ومن قراءه متأنية للصحافة البريطانية والتي ما فتأت القول بأن خليفة بلير والمرشح القادم لرئاسة الوزراء البريطانية ،( ينوي سحب القوات البريطانية من العراق بالتفاوض مع الأمريكان ) ونتيجة للإستعدادات التي تتم في العراق لما بعد الإنسحاب ( في حال حصوله فوراً )، وبالأضافة الى مؤشرات أخرى نتيجة لتحركات سياسية تدور كلها في نفس المحيط ( كالحوار الأمريكي الإيراني بشأن العراق، ومشروع تقاسم النفط ، والمصالحة الوطنية ،( كلها مشاريع أمريكية مفروضة على المسؤولين العراقيين ) والزيارات المكوكية لمسؤولين عراقيين للولايات المتحدة الأمريكية ، وغيرها ) نلاحظ بأن هناك تغييراً كبيراً سوف يحصل في القريب العاجل ، وبأن الأنسحاب بات وشيكا من العراق. فإذا كان الإنسحاب نتيجة منطقية للوضع الكارثي الذي زًج به الرئيس الأمريكي بلاده ، ( بناءاًعلى نبوءآت تحوي في طياتها الحقد والكراهية لكل ماهو عربي ومسلم، وللأحساس المفرط بالقوة والعَظَمة الذي أتى بغير محله ) فهل أن الإحتلال ذاته كان نتيجة منطقية ويخلو من أي حساب.

للأسف ، هناك الكثير الذي لايتقبل القاعدة القانونية التي تقول بأن كل مابُنيً على باطل فهو باطل. فإذا كان الإحتلال باطلاً جملةً وتفصيلاً ( برغبة الشعوب أو وفق القانون الدولي) فهل لنا أن نقول بأن كل ما بناه الإحتلال باطل؟ وهل يجوز للمجتمع الدولي محاسبة كل الذين تسببوا في هذه المآسي للعراق ولشعبه ؟. أم أن هذه الجريمة ستمر كما مرت الجرائم الإنسانية العديدة في حق شعوب وأقوام مختلفة في العالم؟.

فلنعد بالذاكرة لمن لايريد التَذًكر بأن مبررات الإحتلال كانت مزورة وغير حقيقية ، وقد أثبتت الوقائع خلاف ماإدعته الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية ، ولم يتم العثور على اسلحة الدمار الشامل المزعومة ، والتي أرعب بها بوش وبلير بسطاء الناس والسذج وهلل لها كل الطامعون وذوي الضمائر الميتة والخونة من كل جنس . كما ولم يعثر لأي دليل لعلاقة النظام السابق بتنظيم القاعدة الإرهابي حسب إعتراف المصادر الأمريكية والبريطانية نفسها. وحين تعترف الدول المحتلة بعدم صدقية معلوماتها تلك. فبأي منطق إنساني أو قانوني يجيز لهذه البلدان الإستمرار بإحتلال البلد وتدمير كل شيء فيه ، وتكبيل وتقتيل وتعذًيب أبناءه بأسوأ صورة عرفتها الإنسانيه حتى الآن ؟. وحيث لم يكتفوا بالذين واجهوهم أطالت حملتهم كل بريء من طفل وشيخ وأمرأة. والكل يعرف بأن المنتفعين والخونة لأوطانهم والأذلاء، لاهمً لهم سوى التشبث بأولياء النعم، فرحيل المحتل يعني إنقطاع سُبل العيش الرغيدة على حساب كل شيء، حتى الكرامة ! ( أية كرامة ؟).

فهل فكر هؤلاء بما بعد الإنسحاب ؟

أم انهم سينسحبون وأياهم كما جاءوا أول مرة؟

وسيكون حالهم حال (الأقدام السوداء) (وهو اللقب الذي أُطلق على خونة ثورة الجزائر، حين قاتلوا أبناء شعبهم الى جانب المحتل الفرنسي )، والذين قال عنهم( جورج فرييش) رئيس بلدية مدينة مونتبلييه الفرنسية، وأحد البرلمانيين عن الحزب الإشتراكي الفرنسي مؤخراً بقوله ( نحن الذين جعلنا منهم رجالاً ) بمعنى أدق، إن خونة شعوبهم مهما قدموا من خدمة للمحتل، فأنهم لايَرقون الى مستوى الرجال.


فما الذي سيَتخًلد بعد رحيل المحتل بأكثر من ديار تهدمت، ومناطق تسًورت، وأبناء تيتمت، ومشاغل تعطلت ، ورجال فقدت، وعوائل ُشردت، وأموال نُهبت، وكرامةُ تدَهورت، وذمم إنمحت. فإذا وجدنا مقابر الأمس فهل لنا أن نجد مقابر اليوم؟ وإن وجدناها فكم سيكون مضاعفاً أعدادها في هذا الزمن القياسي؟ زمن الحرية والديمقراطية (زمن آلاف الجرائد التي تعود ملكيتها لآلاف من الأحزاب الطائفية والعرقية والتي تعمل جاهدة على تقطيع البلد وشعبه بإسم الحرية المفقودة ) ، واللتان حصلنا عليهما وفقدنا كل شيء في مقابلهما ( التعليم والصحة والماء والكهرباء والأمن ) والأهم من كل ذلك ( الإنسان وهويته ومن ثم الوطن وتبعيته !).

إن من الجهل الأعتقاد بأن الذين جاءوا في ظل الأحتلال لهم القدرة على إعادة لحمة الوطن، وقد وصفهم ( بول بريمر) أول حاكم مدني أمريكي للعراق بعد الإحتلال بكتابه الذي نشره مؤخراً بأن القادة الذين عينهم بنفسه كانوا ( غير قادرون على تسيير مظاهرة في أحد شوارع بغداد ) فما بالك عزيزي القاريء وهؤلاء على قمة قيادة البلد، وما بالك والأقل منهم شأناً يقودون البلد اليوم ويرومون ذلك لما بعد رحيل المحتل.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : ما الذي قدمته هذه القيادة لهذا الشعب الذي أضناه فقدان كل شي تملكه الإنسانية في عالم اليوم، فإذا كان العذر هو الوضع الأمني المتدهور في المناطق الساخنة، فما الذي قدمته في المناطق الآمنة غير زيادة البؤس والحرمان والبطالة وإرتفاع نسبة الجريمة وتهريب كل شيء، وفقدان كل شيء، ناهيك عن زرع الفتنة الطائفية والقتل المجاني ، وإنتهاك الحرمات، وتهجير الناس والإستيلاء على أموال الآخرين ، وترويج المخدرات، ومساندة شبكات القتل والترهيب، زد على ذلك، تراكم القاذورارت والإهمال والرشوة وشراء الذمم وما الى ذلك ، ( أرقامها في إرتفاع مستمر). فما هي هموم القيادة الجديده إذن؟

والجواب هو كما تنشره الصحافة العراقية ذاتها بأن لا هًم للمسؤولين ( بمن فيهم مسؤول لجنة النزاهة التي الفتها الحكومة ذاتها ) سوى النهب وإستخدام النفوذ والسرقة لكل ماتصل اليه أيديهم ، والآن ورغم أن كل شيء في أيديهم ، فإنهم يتصرفون بصيغة المعارضين لأنفسهم، لانهم لايجدون من يعارضونه.

ليست هناك تعليقات: