الدكتور أحمد الجُبير
أستاذ مشارك / كلية القانون
جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا.
ahmad.aljobair@hotmail.com
المقال منشور في موقع الحوار المتمدن - العدد: 1927 - 2007 / 5 / 26
من قرائتي للقرآن الكريم وللكتاب المقدس، بعهديه القديم والحديث، ومن إطلاعي على العديد من الكتب والمؤلفات التاريخية والسياسية، وجدت، أن الأديان السماوية تشترك جميعها بصفات مشتركه:
فهي تعتقد بوحدة الخالق العظيم، وان جميع تابعيها يعتقدون بقدرة الله على الخلق، وبيوم الحساب، وبأن الله سبحانه وتعالى قد خلق الأنسان وقرًبه اليه، وإن جميع المؤمنين في هذه الديانات يعتقدون بالقيم الأنسانية التي جاءت بها أديانهم . وليس بجديد القول، بأن الأديان جميعهاً تتفق والدعوة الى التآخي، ونبذ العنف، والتعامل الإيجابي بين البشر، ونبذ كل ما من شأنه المس بكرامة الإنسان والرحمة والمحبة، ومساعدة المحتاج، والدعوة الى أن يكون الإنسان صادقاً، أمينا، معتدلا،ً ناشطاً، عاملاً. كما أكدت جميع الأديان على الجوانب الإيجابية في حياة الإنسان سواء على مستوى القول أو على مستوى العمل، وبذات الوقت فإنها، حرًمت البغاء والقتل والكلام الزور والى آخره من الأمور السلبية في حياة الإنسان، كما والمهم الذي جاء فيها هو التشريعات التي تخص تنظيم الحياة العامه للمجتمعات كالزواج والطلاق والجريمه والعطاء والخير، وما الى ذلك من جوانب مشرقة. فهذه الصفات هي صفات ترابط ومحبه بين مؤمنيها.
ولو دققت أخي القاريء الكريم عن قرب نصوص الكتب المقدسة وقرًبت بعضها الى بعض لوجدتها تلوح في ذات الإطر، وبترتيب تسلسلي كأنها حلقات مترابطة. ناهيك عن جمالية إفكارها وشمولية موضوعاتها، والتي تتعلق بمَن في الأرض وبمَن في السماء . فمن أين كل هذه الشرور إذن؟
أن هذه الشرور عالجتها الأديان جميعها ‘ فجعلت كل من يفعل الخير هو من عباد الله الصالحين، ومن يعمل بغير ذلك فأنه في الجانب الآخر، وسيجد العقاب من خالقه يوم الحساب كما أشارت. ناهيك عن أن هذه الديانات تحتوي بين طياتها الكثير من العلوم الفلسفية والتاريخية والأقتصادية والأجتماعية والقانونية وغيرها، وهي بمثابة المروًض للروح البشرية والمنًقي لها من شرور الحياة وأمراضها. ولكن المؤسف له هو أن الجانب الشرير في النفس البشرية، الذي لايَقبل بعدالة إنسانية يتساوى فيها أقرانه، فيقطع عنهم يدَ المحبة والمساعدة والعطف، ويعاملهم بأقسى مايتمكن، ويجعل من تحقيق المصالح الضيقة والجشع في جمع المال والجاه ( لبناء مجد لم يُخًلد منه أحداً شي )، ويجعل من عموم الناس جسراً للوصول الى الهدف متناسياً ماتحفل به الكتب السماوية من قيم تساعده في تخليد نفسه، أمام الذات، وأمام الناس، وأمام الخالق.
ولاخلاف من أن الآديان السماوية جميعها لاقت معارضة وعنف من المجتمعات التي ولدت فيها أو في المحيط الخارجي عندما أرادت التوسع، وهذا ماجعل أصحاب هذه المعتقدات الجديدة يقومون بالرًد بالعنف تارة وبالأقناع تارةً أخرى لأثبات الوجود ولنشر الفكرة الجديدة ضمن محيطها أو في المحيط الأبعد. والذي يقرأ التاريخ بتمعن، يرى أن لاغضاضة فيما أتُبع، إلا إن ذلك لايعني إننا ننفي ماحصل من أخطاء راح ضحيتها الملايين من البشر على مر العصور، ولكننا لانحًمل ديانة دون أخرى مسؤولية ماحصل. أما المنطق فيدعونا الى أن ندين كل الذين سعوا ويسعون لتسيس الدين لأغراض دنيوية ( سياسية تعتمد على المصالح أساساً للتعامل ).
إذ إن الذين يخلطون الدين بالسياسة والذين يسعون دوماً لأستخدامه لمصالح الذات، هم أبعد مايكونوا عن جوهر الدين المتسامح الحامل للنفس البشريه الى أعلى قدر من الشفافية، البعيدة كل البعد عما تتعامل به السياسة، التي تعتمد الوسائل التي تخالف تعاليم القوانين الوضعية في أغلب الأحيان، ناهيك عن تعاليم الخالق ونصوص دياناته. فالديانات عكس ( السياسات )، تُطًهر النفس البشرية من ترسبات ماعَلق بها من شرور الحياة، وترقى بالأنسان الى حياة الزهد والتفكير الصافي والخالي من ماديات الحياة الخانقة. فحين خلط رجال الدين دينهم بالسياسة في زمن الرومان قاصدين المجد والمال، أطلعنا التاريخ لما حصل من ملابسات وما كانت خسارة المؤمنين بالفكرة إلا لتكون كبيرة. وليس ماحصل في القرون السابقة للديانة في أوربا ألا دليلاً ماديا يجسد خطأ فكرة الدمج بين الروحي والمادي، مما حدا بالعقلاء بجعل ما لقيصر لقيصر، وماللكنسية للكنسية. وليس لآخر الديانات أكثر حظاً، ولكنها في دور المخاض، وعسى .....ولعل، في أن لايكون الخلط سببا في تقطيع أوصال الترابط والمحبة. لأن المال والجاه لايعني للروح شيئاً. فدعوتي للمؤمنين جميعاً بالترابط لانه جسر للمحبة، (على مستوى الدين الواحد، أوعلى مستوى الأديان)، وبالمحبة يجد الناس السلام .. وبالسلام تطمئن القلوب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق